أشعلت دعوة من السفارة السويسرية في بيروت لممثلي الأحزاب اللبنانية، جدلًا بشأن اتفاق الطائف، والذي مهد لحقبة جديدة في البلاد، منهيًا الاقتتال الداخلي في حرب عرفت بـ"حرب الجميع ضد الجميع".
وأعادت هذه الدعوة الذاكرة اللبنانية إلى سياقات ولادة وثيقة الوفاق الوطني عام 1989، وإعادة هيكلة النظام السياسي مع التشديد على العيش المشترك.
تسارع للأحداث
إلا أن هذه السياقات لم تقتصر على الدينامية الداخلية اللبنانية فحسب، بل جاءت تتويجًا لتغييرات دولية وإقليمية ساهمت في وقف الحرب الأهلية.
ومع نهاية ولاية الرئيس أمين الجميل عام 1988، دخلت البلاد في حالة من الفراغ السياسي، بعد تكليف قائد الجيش حينها ميشال عون بتأليف حكومة عسكرية.
ودفع الفراغ الرئاسي الجامعة العربية إلى تشكيل لجنة سداسية، أخذت على عاتقها التواصل مع الفرقاء اللبنانيين.
إلا أن هذه اللجنة فشلت، وتسارعت الأحداث بعد إعلان عون حرب التحرير ضد الوجود السوري في لبنان، مما عجّل بعقد مؤتمر الدار البيضاء الاستثنائي وتشكيل لجنة عليا سعودية مغربية جزائرية، أفضت جهودها لعقد مؤتمر الطائف الذي صيغت فيه مسودة الوفاق الوطني.
تغيير عالمي
وساعد التحرك العربي مجموعة من التطورات التي مست النظام الدولي.
فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، أعادت دول فاعلة في الحرب توجيه بوصلتها لتواكب المستجدات.
فسوريا التي دارت في فلك موسكو، وجدت نفسها مضطرة لإعادة التموضع، وساهمت مشاركتها الرمزية في حرب تحرير الكويت بتكليفها بإدارة الوضع اللبناني بموافقة سعودية أميركية.
وامتدت مرحلة الوصاية السورية كما عرفت 15 عامًا، وانتهت باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وانسحاب الجيش السوري ودخول إيران بقوة إلى الساحة اللبنانية عبر حزب الله.
ومن حينها، تطرح التساؤلات عن صلاحية اتفاق الطائف وإمكانية استبداله باتفاق جديد.
لم يطبّق كاملًا
في هذا السياق، يشير الأكاديمي والخبير القانوني خالد قباني إلى أن "اتفاق الطائف لم يأت إلا بعد عمل دؤوب قامت به جامعة الدول العربية في مايو/ أيار من عام 1989، بعد تشكيل اللجنة السداسية برئاسة وزير خارجية الكويت صباح الأحمد".
ويلفت قباني، في حديث إلى "العربي" من بيروت، إلى أن "الدعوة لعقد اجتماع الطائف جاءت لمعالجة المشكلة اللبنانية بعد حرب استمرت 15 عامًا، هدمت الاقتصاد وقتلت 200 ألف شهيد وأكثر من ألف جريح".
ويؤكد قباني أنه "لا يمكن القول الآن إن الاتفاق استنزف مفعوله، خصوصًا إذا علمنا أنه لم يطبق كاملًا، بل اجتزئ منه بطريقة خاطئة".
ويشدد على أن "الممارسة والأداء في تنفيذ الاتفاق لم تكن متوافقة مع الدستور، لأن هناك جهات كثيرة حاولت عدم تطبيقه ولم تستجب لمضمونه".
ويكرر تأكيده أنه "لا يمكن القول اليوم إن اتفاق الطائف استنزف مفعوله أو لم يعد صالحًا، بل على العكس لأنه بعد الاتفاق وخروج وثيقة الوفاق الوطني إلى النور، استقبلها الجميع بالترحاب".
هل من بديل؟
من جهته، يوضح رئيس منتدى الخبرة للبحوث والدراسات الإستراتيجية أحمد الشهري أن "الاتفاق الذي تم في مدينة الطائف السعودية، لم يكن صناعة سعودية بل لبنانية".
ويشير الشهري، في حديث إلى "العربي" من الرياض، إلى أن "عملية تغيير نظام الحكم ليست مستحيلة، واتفاق الطائف مثل أي دستور، فهو ملزم عند تطبيقه، لكن ذلك لا يمنع من إعادة صياغته وفق المتغيرات السياسية".
ويلفت إلى أن "الاتفاق جاء بظروف حرب داخلية، وبالتالي كان أفضل الموجود وكان سبيل النجاة الوحيد في تلك الفترة".
ويستدرك الشهري قائلًا: "رغم ذلك، فاتفاق الطائف طبّق في فترة من الفترات وكانت نتائجه مثالية على لبنان الذي ظهر بأجمل صورة".
ويقول: "بناء على ذلك، الخلل ليس بالاتفاق بل في تطبيقه، والكثير من بنوده مثل إلغاء الطائفية لم تطبق".
ويضيف: "في لبنان شرعية ثانية تناقض الحياة المشتركة، وبالتالي اتفاق الطائف لم ينفذ كما يجب، وإذا كانت هناك رغبة شعبية بتغييره، فما هو البديل؟".
كيف كرّس اتفاق الطائف مفهوم الدولة الحديثة في #لبنان؟#كنت_هناك pic.twitter.com/tXoUcGlVZD
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 25, 2021
لا وجود لدعم دولي
بدوره، يعتبر الأكاديمي والكاتب السياسي خطار أبو دياب أن "الرئيس الحالي ميشال عون عارض اتفاق الطائف منذ البداية".
ويشير أبو دياب، في حديث إلى "العربي" من باريس، إلى أن "التيار الوطني الحر الذي يتبع لعون يتحدّث دائمًا عن حقوق المسيحيين، ويطالب بتغيير الاتفاق".
ويقول: "التيار العوني هو الوحيد في لبنان الذي يطالب بتغيير الاتفاق علمًا أن لا وجود لأي دعم دولي لهذه الخطوة".
ويضيف: "رغم غزو بيروت من قبل حزب الله عام 2008، وما حصل من اتفاق في الدوحة، إلا أن ذلك لم ينجح بإحباط اتفاق الطائف".
ويتابع قائلًا: "لم يُفسح المجال لاتفاق الطائف ليُطبق كما يجب، ومن يطالب بإلغائه عليه أن يعلم أن إيجاد البديل ليس سهلًا".