غرّد السفير السعودي وليد البخاري برسالة مفادها أنّ "وثيقة الوفاق الوطني عقد ملزم للبنان وأيّ وفاق آخر هو انفكاك لصيغة العيش المشترك وزوال للوطن الموحد"، ثم حملها في جولته على قصر بعبدا وعين التينة.
ورغم أن البخاري غادر من غير تصريح، إلا أن فحوى لقائه مع الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري كان واضحًا لمنع أيّ تحرك لا يندرج تحت سقف اتفاق الطائف.
ليست الرياض بعيدة عن الملف اللبناني، وإن كانت تقاربه منذ أعوام بفتور، خصوصًا في أعقاب تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي بشأن اليمن. فالزوبعة الدائرة في فنجان العلاقات المشتركة انتهت وقتها بوساطة فرنسية، ومع ذلك ظلت المملكة تعامل بيروت كأوراق ثانوية.
انعطافة سعودية
أمّا اليوم فالواقع تبدل والحراك السعودي جاء من مدخل عشاء وحوار. عشاء كان مقررًا وتأجل في السفارة السويسرية بلبنان يجمع مسؤولين وحزبيين لبنانيين، وعلى طاولتهم "طبق" الاستحقاق الرئاسي وشغور المنصب أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وعلى أن يعقبه حوار لبناني محتمل في مدينة جنيف السويسرية.
وتريد انعطافة السعودية لبيروت أنّ لا تغادر "خيمة" التوافق العربي أو أن تقفز فوق اتفاق الطائف الحاكم، وضمن هذا السياق برز كلام العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، واضعًا إطار عمل للبنان يتمثل في إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة، تسمح بتجاوز أزمته وضبط أمنه وامتثاله لشروط صندوق النقد الدولي.
ربما تكون عودة الرياض للتعامل بزخمٍ مع بيروت نابعة من موازنتها الدور الفرنسي الفاعل على أرض السياسة اللبنانية، وفي بحر اتفاق الترسيم، وربما تكون إدارة مشتركة للملف اللبناني بناءً على مخرجات الاجتماع الأميركي الفرنسي السعودي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى اتفاق الدول الثلاث على عدم ترك فرصة التغيير في لبنان من دون مواكبة لا سيما أنّ الفراغ الرئاسي "ممنوع"، والاستقرار السياسي "مطلوب" لحفظ مكاسب الغاز الجديدة.
تخوف على "الطائف"
من الرياض، يقرأ عبد الله العساف أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الإمام عودة الحراك السياسي السعودي إلى بيروت، على أنه شعور من الرياض بأن جهودها في عملية اتفاق الطائف ستذهب سدى مع محاولة البعض الالتفاف عليه، بهدف تشكيل اتفاق جديد "بعيد عن مصلحة لبنان ينقله إلى حرب أهلية مستقبلية".
ويضيف في حديث إلى "العربي": "بادرت الرياض بإعلان أن اتفاق الطائف هو ملزم للجميع وكان المنقذ بحيث تمكن من جمع الأطياف اللبنانية تحت مظلته، ببنود رسمت مسار رئاسة الوزراء ومختلف جوانب الدولة".
ويرى العساف أن اللبنانيين عاشوا خلال حقبة الطائف باتفاق ووئام تام قبل أن تطرأ بعض المتغيرات الخارجية التي ربما حرفت السياسة اللبنانية عن مسار الاتفاق، لذلك دعا الخطاب الملكي السعودي إلى تنفيذ إصلاحات وتغييرات جذرية دون المساس بالاتفاق.
قطع الطريق أمام اتفاق جديد
من جهته، يعتقد الكاتب الصحفي اللبناني أكرم حمدان أن دوافع عودة الحراك السعودي تنطلق من خلفية أساسية وهي قرب انتهاء ولاية الرئيس عون، في ظل غياب التوافق حول إمكانية انتخاب مجلس النواب بتركيبته الحالية خلفًا له.
ويوافق حمدان على أن زيارة البخاري أتت لقطع الطريق أمام المساس بالطائف، على اعتبار أنه الاتفاق الذي أرسى قواعد السلام والاستقرار في مؤسسات الدولة اللبنانية، مع بروز معلومات عن نية للقفز عن الاتفاق المبرم في السعودية خلال العشاء الذي كان مقررًا في السفارة السويسرية.
وحول هذا اللقاء، أفاد الصحفي من بيروت لـ"العربي" نقلًا عن مصادر، بأنّ العشاء المذكور من المرجح أن يكون قد ألغي كليًا ولم يؤجل إلى موعد جديد.
محاولة تغيير وجه لبنان؟
أما خطار أبو دياب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فتطرق من باريس إلى أنه على الساحة السياسية اللبنانية لا يمكن اعتماد مبدأ الالتفاف، مستذكرًا في هذا الإطار "المحاولة الأولى للالتفاف على الطائف" بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في مؤتمر سان كلو بفرنسا عام 2007، إلا أن تلك المحاولة لم تنجح حيث اعترضت عليها أطراف مشاركة، على حد قوله.
في هذا الإطار، أوضح أبو دياب أنه من المعروف أن الرئيس الحالي هو "تاريخيًا ضد" الطائف، فمنذ أن كان جنرالًا في الجيش اللبناني ورئيسًا لحكومة عسكرية مؤقتة لم يعترف بالاتفاق، بينما لم يكن حليفه حزب الله في صلب اللعبة السياسة آنذاك.
وعليه، يسرد أبو دياب أن ما يحصل منذ فترة تحت نغمة "حلف الأقليات" هو محاولة لتكريس تغيير وجه لبنان وضرب مكون معين فيه، من خلال العودة إلى ما قبل عام 1975، حيث كان النظام رئاسيًا يعطي صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية.
فقد جاء اتفاق الطائف لخلق توازن يعطي مجلس الوزراء مجتمعًا السلطة التنفيذية العليا، بحسب أستاذ العلوم السياسية.