حرك إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن إطلاق عن "حوار وطني شامل ودون تمييز" في البلاد المياه السياسية الراكدة في البلاد وشكل مفاجأة للقوى السياسية والمدنية.
ولم يسهب السيسي في شرح تفاصيل الحوار، ليكتفي بالإشارة إلى أن الإصلاح السياسي كان هدفًا للدولة لكن أولويات برنامجه حالت دون ذلك.
وبينما تتواتر التساؤلات بشأن دلالات توقيت إعلان السيسي عن حواره الوطني وسقفه السياسي والقوى المشاركة فيه، رحبت قوى سياسية ومدنية بهذه الدعوة وألحقت ذلك بشروط عنوانها الأبرز "تهيئة مناخ سياسي ينجح في ظله الحوار".
ومن أجل مسار صحيح، طالب سياسيون وإعلاميون وحقوقيون في عريضة بتوسيع الحوار ليشمل كافة أطياف المعارضة وممثلين عن المحتجزين إلى جانب ممثلين عن المعارضة في المهجر.
وشملت قائمة المطالب بندًا يتمثل بالمراجعة الشاملة للتشريعات المقيدة للحقوق والحريات العامة وضمان استقلال القضاء وتهيئة المناخ المناسب استعدادًا لإجراء انتخابات حرة.
غير أن مطالب النشطاء السياسيين أرفقت بضرورة تنفيذ السلطات تدابير ملموسة، أبرزها الوقف الفوري لكل أشكال الاحتجاز التعسفي ووقف التضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان ومنع اعتقال أهالي المطلوبين كأداة للابتزاز والانتقام والإفراج الفوري عن المسجونين في قضايا تتعلق بحرية التعبير.
وفي وقت يترقب فيه الشارع المصري والقوى السياسية والمدنية الحوار بحذر فرضته السنوات الثقيلة الماضية، لا يبدو التفاؤل سيد الموقف في أوساط القوى السياسية والمدنية باختلاف إيديولوجياتها التي تضع في حساباتها رؤية النظام المصري للإصلاح السياسي.
"حاجة إلى إجراءات بناء ثقة"
الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عبد الفتاح ماضي يرى أن الحوار في الأنظمة الديمقراطية يجري داخل مؤسسات الدولة، أما في الحالة المصرية فالحوار الذي تحتاجه البلاد هو بين الخصوم من أجل الوصول إلى حلول وسطية للخلافات داخل المجتمع أو لتحقيق مصالحة وطنية شاملة.
ويشدد في حديث إلى "العربي" من الدوحة على أن الحوار يحتاج إلى إجراءات بناء ثقة يلتزم بها الطرفان ومساحة آمنة لضمان مشاركة الجميع.
ويقول: "إذا توفرت هذه الأمور يمكن الحديث عن حوار مصري حقيقي، لكن الدعوة شملت أمورًا كأولويات العمل الوطني التي تقوم بها الحكومات المنتخبة ديمقراطيًا ولا تحتاج إلى حوار بين قوى مختلفة في الرأي".
ويضيف: "في مصر اليوم أزمة سياسية نتيحة نمط معين من الحكم وهذا الأمر يحتاج إلى حلول سياسية بين الخصوم".
"شرعية الإنجاز"
مدير منتدى الشرق للدراسات الإستراتيجية محمد عفان يعتبر أن الدعوة للحوار جاءت مفاجئة ومقتضبة، لافتًا إلى أن الكثير من الخلفيات والدوافع التي قد تكون وراء هذه الدعوة هي من باب التحليل والتكهنات.
ويقول من إسطنبول: إن "النظام السياسي في مصر قائم على ما يعرف باسم "شرعية الإنجاز" وفي الفترة الأخيرة برز وجود تآكل في هذه الشرعية نتيجة تعدد الأزمات الاقتصادية وجائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وتداعياتها على النظام الدولي".
ويشير إلى أن أحد الدوافع المتوقعة لهذه الدعوة للحوار هو محاولة "احتواء حالة من السخط وحراك متوقع من قبل المواطنين نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وفتح مسار الاستيعاب بشكل استباقي في حوار قد يكون شكليًا إلا أنه سيخلق مساحة من النقاشات".
ويتحدث عن أن الدوافع للحوار أيضًا تتمثل بمحاولة إرسال رسائل إلى الخارج بأن هناك انفراجة سياسية.
"دوافع وقتية"
رئيس برنامج حقوق الإنسان في معهد الدوحة للدراسات العليا معتز الفجيري يعتبر أن "المبادرات أو التنازلات المحدودة التي يقدمها النظام المصري وخصوصًا في السنوات الأخيرة مرتبطة بدوافع وقتية على غرار زيارة إلى الولايات المتحدة أو ضغوط مباشرة في المساعدات العسكرية للقاهرة".
ويلفت من إسطنبول إلى أن من المهم للحكومة المصرية خلق إجراءات على غرار الحوار في هذه الفترة الحالية في ظل المفاوضات مع صندوق النقد والبنك الدوليين التي تتعلق بمساعدات وقروض جديدة.
ويقول: إن "الحوار سيكون مجرد مسرحية ولن يكون جادًا لأن هناك الكثير من المؤشرات المقلقة منذ أن أعلن الرئيس السياسي عن هذا الحوار من خلال زيادة استمرار الاعتقالات والوفيات داخل السجون والخطاب التحريضي ضد المعارضة".