"أنا مصري لحمًا ودمًا"، بهذه الكلمات أجاب شاعر العامية المصرية الشهير بيرم التونسي على سؤال مضيفه الإعلامي طاهر أبو زيد بشأن أصوله وجنسيته.
قال ذلك بعد أن أشار، بحسب مقطع صوتي على الإنترنت، إلى أن عائلات كثيرة تحمل كنية "التونسي" ولا يعرف بعضها بعضًا، ولا يُسأل عن "تونسيته" أحد غيره.
ثم أردف بأن جدّه لأبيه الذي قدِم إلى مصر قبل ما يزيد عن مئة عام تونسي، فيما أبصر النور هو ووالده في مدينة الإسكندرية شمالي مصر.
نقد ثم نفي
ولطالما عكست علاقة بيرم التونسي، واسمه محمود محمد مصطفى بيرم الحريري، بـ"هبة النيل" حالًا ومآلًا، انتماء وجدانيًا عبّرت عنه خياراته السياسية والشعرية في آن واحد.
فالشاب، الذي وُلد في حي الأنفوشي الإسكندراني في 23 مارس/ آذار عام 1893، أرّقته شؤون العباد والبلاد، وواجه بطش النافذين وفساد الممسكين بزمام السلطة بأبيات ضمّنها نقده الساخر، من بينها أغنيات ذات طابع سياسي أدّاها سيد درويش.
ومع تصاعد التطورات في مصر عقب اندلاع ثورة 1919، ومعها لهجة كتابات بيرم، الذي فتنته أبيات الرومي وجذبته الأساطير الشعبية، كان مصيره النفي.
بدايات الشوق الجارف ل قهوة الصباح كان #بيرم_التونسي منفي ف مرسيليا اضطر للعمل شيال ف الميناء ومر ع مطعم وكان جائعا ولايملك سوى ثمن مايأكله أوفنجان قهوة لكن رائحتها كانت أقوى ففضل القهوة عالساندوتش وكتب: يا بُن الله يلعنك ويلعن إللي بيطحنك لا إنت فيك للناس شفا ولا أنت بتسد الحنك
— Muhammad El Shafei Ph.D. Moksha (@Moksha1965) May 6, 2019
واستُبعد الشاعر، الذي لم يكن قد حاز على الجنسية المصرية بعد، عام 1923 بعدما أثارت قصائده وعلى رأسها "البامية الملوكي والقرع السلطاني" غضب الملك فؤاد، إلى جانب مقال بعنوان "لعنة الله على المحافظ"، هاجم فيه صهر الملك.
وفي منفَييه، تونس أولًا ثم فرنسا، ظل بيرم دائم الانشغال بأوضاع مصر ومأخوذًا بحنينه إليها. وقد نجح بمضي عدة أعوام من العودة إليها سرًا قبل أن يتم نفيه مجددًا، ثم الرجوع متسللًا من جديد.
وبينما جاءت محصلة الأثمان التي دفعها ما يقرب العشرين عامًا في المنفى، لم تحل أثقال ظروف العمل الصعبة في مرسيليا وليون دون استمراره في الكتابة والنشر عن بعد.
ومن أشهر أبياته التي تناولت تجربة النفي التي كابدها: "الأولى مصر قالوا تونسي ونفوني جزاة الخير وإحساني، والثانية تونس وفيها الأهل جحدوني وحتى الغير ما صفاني، والثالثة فرنسا وفي باريس جهلوني وأنا موليير في زماني".
ثلاثية فنية استثنائية
بعد عودته إلى مصر، وصدور عفو عنه، كانت ثلاثية فنية استثنائية بانتظار بيرم التونسي، جمعته مع الملحن زكريا أحمد والفنانة أم كلثوم.
وبحسب المتداول، فإن التعاون بدأ بناء على طلب "كوكب الشرق"، وأثمر أعمالًا خالدة في أرشيفها من بينها: أنا في انتظارك، وغني لي شوي، وأنا وأنت، وأهل الهوى، وبرضاك يا خالقي، بالإضافة إلى أغنيات أخرى لحنها رياض السنباطي ومحمد القصبجي.
زي النهاردة - الخامس من يناير - غابت شمس المبدع بيرم التونسي رحمه الله❤️ صاحب الأعمال العظيمة الخالدة ، و لو مكنش عمل غير "أنا في إنتظارك" و "هو صحيح الهوى غلاب" لكفتاه!! pic.twitter.com/vKI7TpECN7
— مها أبوالليل☕️ (@MAboelliel) January 5, 2020
أصوات أخرى غنّت أيضًا كلمات بيرم التونسي؛ من بينها فريد الأطرش، وأسمهان، وشادية، ونور الهدى، وكذلك محمد فوزي الذي أطل عبر الإذاعة وأدى دور المسحراتي بلحن بيرم وكلماته.
وبشأن حصول بيرم التونسي، الذي ألّف أيضًا الأوبريت والمسرحيات، على الجنسية المصرية، فقد تم عقب ثورة يوليو/ تموز التي قادها "الضباط الأحرار" وأطاحت بالنظام الملكي.
وقبل رحيله جرّاء إصابته بالربو في 5 يناير/ كانون الثاني 1961، منحه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية عن جهوده في الأدب والفن عام 1960.