فشل مجلس النواب اللبناني بعد عقده 12 جلسة منذ سبتمبر/ أيلول في انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفًا لميشال عون، ليبقى المقعد شاغرًا إلى حين التوافق على شخصية ستشغل هذا المنصب للمرة الرابعة عشرة في تاريخ البلاد.
يحتاج البرلمان إلى أصوات 65 عضوًا لانتخاب رئيس جديد، ومن دونها سيبقى الفراغ قائمًا، وهو ما تكرر عدة مرات في تاريخ لبنان منذ تأسيسه في أربعينيات القرن الماضي.
الفراغ الرئاسي
جرت التقاليد السياسية في لبنان على تحقيق التوافق على منصب الرئاسة بوصف الرئيس شخصية تحتاج إلى إجماع مسبق قبل الدخول في الاقتراع على العملية التي يجريها البرلمان بدعوة من رئيسه، وهو ما لم يتوافر في أيّ مرشح حتى الآن.
كان أول فراغ رئاسي عرفه لبنان في نهاية الحرب الأهلية عام 1988 عندما فشلت القوى السياسية في ايجاد شخصية توافقية خلفًا لأمين الجميل آنذاك، لينتهي بعد أكثر من عام بانتخاب الرئيس رينيه معوض.
أمّا الفراغ الثاني فكان بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 ومايو/ أيار 2008 بعد انتهاء ولاية إيميل لحود، وانتهى بوساطة عربية تقدمتها دولة قطر آنذاك لانتخاب ميشال سليمان بعد أحداث السابع من أيار الدموية.
وجاء الفراغ الثالث بعد انتهاء ولاية ميشال سليمان في مايو 2014 وامتد حوالي عامين ونصف وانتهى بانتخاب ميشال عون ليكون الرئيس الثالث عشر للبنان في أكتوبر/ تشرين الأول 2016.
بالنسبة لسيناريو التمديد لعون الذي طرح آنذاك فقد استبعد منذ البداية نظرًا لحاجته إلى تعديل دستوري لا تتوافر مقوماته، هذا فضلًا عن اختلاف الظروف وتبدل التحالفات التي جاءت به رئيسًا قبل سبع سنوات.
ومع توالي فشل البرلمان يتمدد الفراغ الرئاسي الرابع في لبنان دون أن يكون هناك أيّ أفق للحل بانتظار تبدل ميزان القوى المحلي الذي يشكل ربما صدى لميزان القوى الإقليمي والدولي، كما أثبتت التجارب السابقة.
مرشحان للقوى السياسية
لازمت مراحل الفراغ الرئاسي لبنان ما بعد انتهاء ولاية الرؤساء في العقدين الماضيين، وهي مراحل تمتد وتطول بحسب المناخ السياسي إنّ كان محليًا أم إقليميًا، فعلى إيقاعهما يتحدد شخص الرئيس القادم للبلاد.
ولم تكن الجلسة الأخيرة للبرلمان اللبناني استثناء عما سبقها من جلسات عدا أن القوى السياسية المعارضة جاءت بمرشح جديد لمنافسة سليمان فرنجية المرشح الوحيد لحزب الله وحركة أمل والقوى السياسية المؤتلفة معهم.
أمّا جهاد أزعور وزير المالية السابق في حكومة فؤاد السنيورة بين عامي 2005 و2008 ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، فكان الاسم الذي استقرت عليه القوى المسيحية مرشحًا للمعارضة.
وجاء التفاهم بشأن أزعور مع التيار الوطني الحر أهم حلفاء حزب الله في العهد المنقضي لميشال عون. وهنا تظهر علامات الافتراق بين حزب الله وجبران باسيل الذي تحالف مع خصوم الحزب السياسيين من الكتل المسيحية ما يهدد بانهيار التفاهمات التي رسمتها لقاءات "ماري مخايل" عام 2006 بين التيار والحزب آنذاك.
حكومة تصريف الأعمال
لم ينتظر رئيس مجلس النواب نبيه بري عدّ النواب بعد الدورة الأولى التي فشلت في انتخاب أحد المرشحين للرئاسة، فطار النصاب بعد أن حصد مرشح المعارضة جهاد أزعور 59 صوتًا مقابل 51 لسليمان فرنجية.
وبحسب خبراء في الشؤون اللبنانية بقي منطق التعطيل وعدم تحقيق النصاب لاجتماع مجلس النواب الأداة السياسية لفرض المرشح الذي تختاره القوى السياسية بعد قضاء ولاية الرئيس ميشال عون التي انتهت في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي.
إذًا يستمر الفراغ الرئاسي في لبنان بعد فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد للبلاد، ورفض الفريق السياسي الداعم للرئيس عون نقل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي.
إذ أن الحكومة التي تعتبر مستقيلة منذ أن وقّع عون قرار قبول الاستقالة قبل أن يغادر قصر بعبدا ما تزال تمارس مهامها بعد أن فُسر مرسوم الإقالة بأنه غير دستوري. إذ لم يعد الرئيس قادرًا على إصدار المراسيم أو القرارات بمجرد انتهاء ولايته. وبهذا المعنى ستبقى الحكومة في مهمة تصريف الأعمال إلى أن ينتخب رئيس جديد.
في هذه الأثناء، تتكثف جهود الوساطة الدولية وتوفد فرنسا ذات العلاقات المميزة بلبنان وزير خارجيتها السابق جان إيف لودريان مبعوثًا خاصًا لها لإيجاد حل توافقي وفعّال للأزمة اللبنانية مع الشركاء الإقليميين في سباق مع الزمن لتقصير فترة الشغور الرئاسي ما أمكن.
"دواء" التوافق السياسي
وفي هذا الإطار، يؤكد الباحث السياسي رضوان عقيل أن موضوع التوافق هو أمر أساسي في لبنان "وهو ما جرى التعود عليه في كل الدورات الانتخابية السابقة".
ويوضح عقيل في حديث إلى "العربي" من بيروت، أن الكتل النيابية لا تستطيع أن تنتخب رئيسًا من دون التوصل إلى هذا "الدواء" الذي يؤكد عليه أكثر من مرجع سياسي.
ويرى أنه في حال الاستمرار في لغة التحدي والمناكفات فإنّ الكتل النيابية لن تكون قادرة على انتخاب رئيس جديد للبلاد، لافتًا إلى أن "صناعة الرئيس" في لبنان لن تصل إلى نهايتها "من دون تدخل خارجي"، حسب رأيه.
ويقول إنّ "الثالوث المسيحي المتمثل في التيار الوطني الحر وحزب الكتائب والقوات اللبنانية يمثل الشريحة الكبرى من النواب المسيحيين، لكن عملية اختيار رئيس الجمهورية ليست حكرًا على النواب المسيحيين وإنما هي من حق النواب الـ128".
ويضيف أن "القول إن من يسميه المسيحيين يصبح رئيسًا للجمهورية هو أمر خاطئ ومخالف للدستور".
تماسك الثنائي الشيعي
ويتوقع عقيل في حديثه إلى "العربي" أن يتم التوافق على مرشح آخر من داخل القوى المسيحية بشأن أزعور، حيث يرى أنّ "الثالوث المسيحي" غير متماسك في هذا الأمر، وأن الآلية التي تم الدفع به من خلالها كانت خاطئة منذ البداية.
ويشير إلى أنّ الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل يتمسكان بالمرشح الرئاسي سليمان فرنجية، لافتًا إلى أن هذا الثنائي لن يتخلى عنه إلا إذا قرر هو الانسحاب.
ويعتبر الباحث السياسي أن جبهة حزب الله وحركة أمل أكثر تماسكًا من الجبهة المقابلة في عملية اختيار المرشح الرئاسي.
ويخلص إلى أنّ قائد الجيش هو مرشح آخر لرئاسة الجمهورية في حال عدم التوصل إلى توافق بين الكتل النيابية بشأن أحد المرشحين.
لمتابعة بقية التفاصيل ضمن حلقة برنامج "قضايا" التي تناقش الأسباب وراء استمرار الشغور في منصب رئيس الجمهورية في لبنان والتداعيات المحتملة لهذا الأمر.