منذ افتتاحها قبل أكثر من نصف قرن، تحاول مكتبة "الطالب"، أقدم مكتبة في العاصمة المغربية الرباط، الصمود أمام تقلّبات الزمن ومقاومة النسيان، في زمن بدأ الكتاب يتوارى أمام زحف التكنولوجيا.
بمرارة، يتحدّث صاحب المكتبة خالد المكناسي، لـوكالة " الأناضول"، عن زمن كانت المكتبة محجًا للعلماء والمفكرين والمُثقّفين. ورث خالد، الذي لم يُكمل دراسته الجامعية، الحرفة عن والده عبد القادر المكانسي.
يُواظب خالد على فتح مكتبته يوميًا، لكنّه يطلب الدعم من المسؤولين عن قطاع المكتبات في البلاد، حتى لا تلقى مكتبة "الطالب" مصير سابقاتها أي "الإغلاق".
صمود في وجه الزمن
تجاور المكتبة متاجر الملابس والمأكولات والإلكترونيات في "شارع محمد الخامس"، وتحديدًا في الجهة التي تمرّ داخل المدينة العتيقة للرباط المعروفة بـ"لكزا".
يعود تاريخ تأسيس المكتبة إلى نصف قرن، ولا زالت تُقاوم تقلّبات الدهر، فهي الوحيدة التي لا تزال توفّر الكتب فضلًا عن أخرى لبيع الكتب القديمة في ذلك الشارع، بعد أن فضّل البعض استبدال الكتب بالوجبات السريعة أو الأجهزة الإلكترونية تماشيًا مع طلب المواطنين.
في المقابل، يستمرّ خالد وأخوه محمد في رفع شعلة "الأدب والعلم"، رغم الرياح العاتية التي تُحاول إطفاءها.
مكتبة العلماء والمفكرين
يروي خالد قصة المكتبة نقلًا عن والده، قائلًا: "افتُتحت المكتبة، المعروفة بأنها الأولى من نوعها في الرباط، بشارع القناصل.
وكان والد خالد يعقد لقاءات مع العلماء، مثل المكي البطاوري (من علماء المغرب 1857- 1936)، وأبو شعيب الدكالي (أحد أبرز علماء المغرب ألقى دروسًا في الأزهر والحرم المكي وجامع الزيتونة بتونس 1878-1937).
ويُضيف: "كان يتمّ اقتراح بعض عناوين الكتب للمطالعة، فيقوم أبي بتسجيل أسمائها للبحث عنها، ويُوفّرها للبيع بثمن مُناسب للحاضرين بتلك اللقاءات". ويتابع: "عندما فطنوا لقدرة أبي في البحث عن الكتب وارتباطه بها، اقترحوا عليه آنذاك، تأسيس مكتبة وهو ما كان".
ثم بدأت المكتبة تتوسّع ويذيع صيتها، خصوصًا مع البدء في إحضار الكتب من مصر، حيث أمست معروفة على المستوى الداخلي والخارجي. ولاحقًا، نقل المكناسي الأب، مكتبته إلى شارع "الصحراوي" ثمّ إلى مكانها الحالي، وبقيت على حالها لمدة نصف قرن.
وكانت المكتبة مجمعًا للمؤرخين والعلماء ومركزًا لاجتماعات مجلس العلم والتدارس، لفترة طويلة. وعُرفت المكتبة، ولا تزال، باهتمامها بكتب التراث، وهي كتب غير مطبوعة وقليلة في السوق.
الحاجة للدعم
ودعا خالد، وزارة الثقافة المغربية، إلى دعم المكتبات؛ "لأنها تحمل لواء العلم والثقافة"، مردفًا: "نُريد تشجيعنا، خصوصًا أن المكتبات لم يسبق لها تلقي الدعم".
ويُنبّه إلى أن "استمرار تراجع الإقبال على الكتب، سيُعجّل من إغلاق المكتبات المتبقية".
ويلفت إلى أن "عددًا من المكتبات أغلقت أبوابها في الرباط ومدينة تطوان في شمال البلاد، خلال الفترة الماضية". ويؤكد خالد أن تفشي جائحة كورونا عمّق جراح المكتبات.
التحول للعالم الافتراضي
من جهة أخرى، لا يفكر خالد في اعتماد البيع الإلكتروني للكتب، ويقول: "ولدنا مع الكتاب وبات يجري في جسدنا كمجرى الدم في العروق، وقد اتصل بنا عدد من الناس واقترحوا التحوّل للبيع عبر العالم الافتراضي ورفضنا الفكرة".
وتعد نسبة القراءة في المغرب ضعيفة مقارنة مع أنشطة أخرى، بحسب تقارير رسمية.
ووفق تقرير صادر عام 2018 عن وكالة تقنين المواصلات الحكومية، فإن 5.1% من المغاربة يقضون ساعة إلى ساعتين يوميًا في القراءة، مقابل 42.6% يقضون نفس الفترة في مشاهدة التلفاز، و14% في الاستماع للراديو، و7% في مطالعة الصحف.
ووفقًا للتقرير نفسه، تبلغ نسبة المواطنين، الذين لا يقرؤون الكتب، 71.2%. ويقضي 11.3% أقل من نصف ساعة يوميًا في القراءة، بينما يقضي 6.7% ما بين نصف ساعة وساعة في القراءة.