تجتمع نحو 200 دولة الإثنين للمصادقة على تقرير مهم للأمم المتحدة بشأن علوم المناخ قبل مئة يوم، من قمة سياسية تهدف للمحافظة على الأرض باعتباره كوكبًا قابلًا للحياة، وذلك بعد اجتياح الفيضانات ثلاث قارات وارتفاع شديد في الحرارة شهدته دول عدة.
وأصبح العالم مختلفًا عمّا كان عليه عام 2014، عندما أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تقييمها الشامل الخامس بشأن الاحترار العالمي في الماضي والمستقبل.
وفي ظل درجات الحرارة القياسية وحرائق الغابات وموجات الجفاف، تبخرت الشكوك التي كانت سائدة حينذاك في أن الاحترار يتسارع أو في أن المصدر بشري بالكامل تقريبًا، إضافة إلى المفهوم الذي يعطي تطمينات "زائفة" بأن تداعيات المناخ هي مشكلات الغد.
كما تم تبني "اتفاق باريس" الذي حدد هدفًا جماعيًا، يقضي بالحد من درجة حرارة الأرض لتكون عند مستوى يتجاوز مستويات أواخر القرن التاسع عشر بـ"أقل بكثير" من درجتين مئويتين.
ورفع التلوث الكربوني الناجم عن إحراق الوقود الأحفوري، وتسرّب الميثان، والزراعة، الحرارةَ 1,1 درجة مئوية حتى الآن.
كما وضعت معاهدة 2015 حدًا طموحًا بلغ 1,5 درجة مئوية، فيما افترضت العديد من الجهات المشاركة في المحادثات بأنه سيبقى مجرّد هدف طموح وبالتالي سيكون من السهل تنحيته جانبًا.
وقال عالم المناخ بيتر ثورن من جامعة ماينوث في أيرلندا الذي كان من أبرز الشخصيات التي صاغت تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: "الدول عادت وطلبت من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إعداد تقرير خاص بشأن المسألة، وهو أمر بدّل الإطار تمامًا".
وكشف التحليل الناتج عن ذلك سنة 2018 مدى الدمار الذي يمكن أن يتسبب به الاحترار بنصف درجة إضافية لتصبح 1,5 درجة مئوية الرقم الوحيد المطروح اليوم.
وقال ثورن إن: "1,5 درجة مئوية باتت الهدف بحكم الأمر الواقع" ودليل على تأثير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على تشكيل السياسة العالمية في هذا الصدد.
وقال خبير المناخ روبرت فاوتارد، المؤلف البارز أيضًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ومدير معهد بيار-سيمون لابلاس: "لدينا اليوم نماذج أفضل للتوقعات المناخية وعمليات رصد أطول مع مؤشر أوضح بكثير على التغير المناخي".
موجات حر شديدة تعصف بدول العالم، ومخاوف من تبعات تغيرات المناخ العالمي pic.twitter.com/RoC8pbwoPf
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 7, 2021
الاختراق الأكبر
ولعل "الاختراق الأكبر "، هو ما يعرف بدراسات الإسناد التي تسمح لأول مرة للعلماء بتحديد سريع لمدى تكثيف التغير المناخي.
فمثلاً، تمكّن تجمّع "إسناد الأحوال الجوية العالمية" في غضون أيام، من موجة الحر الشديدة التي اجتاحت كندا وغرب الولايات المتحدة الشهر الماضي، من التوصل حسابيًا إلى أن حدوثها كان أمرًا مستحيلاً تقريبًا لولا الاحترار الذي تسبب به الإنسان.
لكن التحليل بعد الوقائع مختلف عن التوقعات المسبقة، فيما تعرّضت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى انتقادات من قبل بعض الجهات التي اعتبرت أنها قللت من أهمية الخطر، وهو نمط اعتبرت مؤرخة العلوم في جامعة هارفارد نعومي أوريسكيس، أنه يهدف للبقاء في الجانب "الأقل دراماتيكية" للأحداث.
وقالت: "هناك الاتجاه المحافظ الذي يتبعه العلم بشكل عام، يعد ذلك أمًرا جيّدًا من نواح كثيرة".
وأوضحت: "لكن في مجال التغير المناخي، كان على العلماء التعامل مع ضغط سياسي وثقافي هائل لعدم المبالغة في التهديد"، مضيفة أنّ على الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن تواجه التدخل المباشر من الحكومات التي تعمل باسمها.
وتابعت: "أعتقد أنه لا يوجد الكثير من الشك في أن تأثير الضغط الخارجي، بالمجمل، كان هدفه دفع بياناتها باتّجاه الجانب الأقل قلقًا بدلاً من الأكثر قلقًا".
ماذا سيتضمن التقرير؟
وسينقّح ممثلو 195 بلدًا الإثنين، بمساعدة علماء، "ملخّصًا لصناع القرارات" مكونًا من حوالي 20 إلى 30 صفحة.
وسيستغرق الاجتماع الافتراضي المخصص للجزء الأول (المعني بالعلوم الفيزيائية) من التقرير المكون من ثلاثة أجزاء، أسبوعين بدلاً من أسبوع بحسب العادة، فيما يتوقع نشر الوثيقة في التاسع من أغسطس/ آب المقبل.
وسيغطي التداعيات، الجزء الثاني من التقرير والذي سيتم نشره في فبراير/ شباط 2022.
وحذّرت مسودة تم تسريبها من أن التغير المناخي سيعيد تشكيل الحياة على الأرض في العقود المقبلة، ودعت إلى "تغيير جذري" لتجنيب الأجيال المقبلة مواجهة "وضع أسوأ بكثير".
أما الجزء الثالث، الذي سيكشف عنه الشهر التالي، فيدرس الحلول لخفض الانبعاثات.
وسيتوقع الجزء الأول درجات الحرارة العالمية حتى سنة 2100 وفق مختلف السيناريوهات المرتبطة بالانبعاثات، يتوافق بعضها مع أهداف "اتفاق باريس" وغيرها.
وبناءً على أبحاث منشورة، قد يتوقع "تجاوزًا" مؤقتًا لهدف 1,5 درجة مئوية، وتقديرات تمّت مراجعتها لتكون بأرقام أعلى لارتفاع منسوب البحار على المدى البعيد.
وإذا صحّت توقعات الوكالة الدولية للطاقة هذا الأسبوع، بتلوّث كربوني قياسي بحلول العام 2023، فبإمكان تجاوز كبير للحد من هذا النوع أن يستمر طويلاً، كما سيكون هناك تركيز على أحداث بـ"احتمال ضئيل وخطر كبير".
في هذا الإطار، قال مدير معهد الأنظمة العالمية في جامعة إكستر تيم لنتون: "التفاعلات التي تضخّم التغيير أقوى مما اعتقدنا ولربما نقترب من نقطة تحول ما".
وقد تتجاوز أجزاء من نظام المناخ نقطة اللاعودة، بما في ذلك الصفائح الجليدية التي تضبط ارتفاع منسوب البحار بأمتار والتربة الصقيعية المحمّلة بغازات دفيئة تتجاوز بمرّتين تلك الموجودة في الجو.