"العربي" يلتقي أفرادها.. كتيبة مخيم طولكرم قصة مقاومة بدأت بخمسة شبان
من غزة إلى الضفة الغربية وغيرها، لا تنتهي قصص المقاومة وبطولاتها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ومنها قصّة كتيبة مخيّم طولكرم، التي بدأت بخمسة شبّان فقط، لكنّها أضحت عنوان مواجهة، لم تنجح محاولات تصفيتها من جانب الاحتلال.
كتيبة مخيم طولكرم هي حكاية مقاومة بدأت قصتها بخمسة شبّان ينتمون إلى سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، لكنّها توسّعت مع مرور الوقت، لينضمّ إليها مختلف التشكيلات العسكرية للفصائل الفلسطينية لترسم مشهدًا وحدويًا بينها لم يكن معهودًا من قبل.
خلال مسيرتها قصيرة المدة نفذت الكتيبة مئات العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي شملت عملية إطلاق نار وتفجير عبوات ناسفة واشتباكًا مع جنود الاحتلال. وفي المقابل، نفذ جيش الاحتلال ضد المخيم عشرات عمليات الاقتحام واستهدف المقاتلين بالمسيّرات القتالية وحتى الطائرات الحربية.
كيف تعامل الاحتلال مع كتيبة مخيم طولكرم؟
منذ اللحظة الأولى لولادة كتيبة مخيم طولكرم، حاول الاحتلال الإسرائيلي إنهاء الظاهرة من خلال التصفية الجسدية لمؤسّسيها، لكنّ ذلك أدّى إلى نتيجة معاكسة وفتح الباب أمام العشرات من الشبّان للانضمام لها ودعمها من قبل الفصائل.
في هذا السياق، يقول رئيس جمعية وادي الحوارث حسين الشيخ علي للتلفزيون العربي، إنّ علامات استفهام كانت تُطرَح إزاء ممارسات الاحتلال، حول أسباب العنف والقمع، وجدوى الاغتيالات، مشيرًا إلى أنّ آلاف الشباب شاركوا في جنازة الشهداء الأوائل الذين سقطوا، وكانوا يهتفون جميعًا بصوت واحد: "الانتقام، الانتقام".
من جهته، يلفت نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسين خريشة إلى أنّ الانطباع العام الذي ساد هو أنّ الشهيد أكرم من كل الناس، وبالتالي كثير من الشباب الفلسطيني يريد أن يحذو حذو هؤلاء الشهداء ليس بالموت، وإنما بمقاومة هذا الاحتلال.
التلفزيون العربي يلتقي أعضاء كتيبة مخيم طولكرم
في ظروف أمنية معقّدة ووسط احتمالية اقتحام للمخيم من قبل جيش الاحتلال في أيّة لحظة، تمكّن فريق التلفزيون العربي من الدخول إلى قلب المخيم، وسط ترتيبات أمنية.
وداخل أزقة المخيم، مكث فريقنا ساعات طويلة، يتحيّن اللحظة المناسبة لمقابلة أعضاء من كتيبة مخيم طولكرم، المطلوب جلّهم لجيش الاحتلال.
وبعد انتظار طويل تمكّن فريق التلفزيون العربي قبيل الفجر بقليل، من إجراء المقابلات مع عدد من أفراد الكتيبة، والذين أجمعوا على أنّهم يريدون السير على درب الشهداء والمقاومين، مشدّدين على أنّ الشهيد الذي يسقط يأتي مكانه 100، والمئة يأتي مكانهم 200.
ولا تغيب ملحمة طوفان الأقصى عن حديث أفراد الكتيبة، إذ إنّ فصائل المقاومة في طولكرم بصورة عامة نشطت بعد السابع من أكتوبر، وبدأت في تنفيذ سلسلة من العمليات التي دخلت فيها المقاومة المسلحة في الضفة الغربية مرحلة جديدة من خلال عمليات مركبة ومصوّرة، وهو أمر يشير إلى بنية تنظيمية وتطوير مستمر في عمل الفصائل.
يقول أحد أفراد الكتيبة، إنّ "معركة طوفان الأقصى أفسحت لنا مجالاً كبيرًا من المعنويات الهائلة، وأعطتنا دوافع كبيرة للهجوم على المستوطنين والمستوطنات"، مضيفًا: "نحن بإذن الله لهم بالمرصاد، ولن نترك غزة وحدها". وفيما يرفع شعار أنّ "لا شيء مستحيلاً"، يشدّد آخر على أنّ دورهم هو الوقوف مع أهل قطاع غزة ومساندتهم بكلّ السبل المُتاحة.
أشرف نافع.. العربي يلتقي الشهيد
منذ انطلاقتها، كانت عمليات كتيبة مخيم طولكرم قاسية على الاحتلال، حيث شهدت طولكرم منذ بداية العام 2022 أكثر من 370 عملية إطلاق نار، وأكثر من 120 زرع لعبوات ناسفة أدّت إلى مقتل عدة جنود ومستوطنين إسرائيليين في محيط طولكرم.
هذا الواقع الميداني أنشأ حالة مشتبكة مع الاحتلال سواء بالعمليات أو بعمليات الاقتحام المتكررة التي شهدتها المنطقة منذ إعلان إطلاق الكتيبة، وهو ما يؤكده أفراد الكتيبة الذين تحدّثوا مع التلفزيون العربي، الذين يتحدّثون عن فرق تتناوب على المهام، وكلّ منها لها وقتها وعتادها.
من هؤلاء قائد كتاب القسام في مخيم طولكرم أشرف نافع، الذي التقاه التلفزيون العربي قبل أن يستشهد في الأيام الأخيرة، حيث أكّد وجود غرفة مشتركة للمقاومة، لا فرق فيها بين حماس والجهاد، مضيفًا: "نسير على درب أصدقائنا، ونحن يدًا بيد مع رفاقنا في غزة، ولن نتركهم".
في حديثه معنا، أكّد نافع أنّ "العدو لا يخيفنا"، وذلك قبل أن يخوض آخر اشتباك معه في 23 يونيو/ حزيران الماضي، حين أطلقت قوات الاحتلال صاروخًا من طائرة مسيّرة باتجاه نافع، ممّا أدى إلى استشهاده على الفور، علمًا أنّه لم تقم للشهيد جنازة فقد احتجز جيش الاحتلال جثمانه إلى اليوم.
التخلّص من الاحتلال.. لا التعايش معه
لم يكن قائد القسام في طولكرم أشرف نافع، أول الشهداء ولا آخرهم، فالعدّاد لا يتوقّف، في منطقة لعبت الجغرافيا دورًا في منحها ميّزات خاصة، جعلت العمليات فيها الأكثر صعوبة على الاحتلال.
وخير دليل على ذلك التحريض الذي يمارسه المستوطنون والاحتلال على طولكرم، ومن ضمن ذلك ما قاله وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش علنًا، حين دعا إلى تحويلها "مدينة خراب"، وطلب تدميرها وجعلها "مثل مدن قطاع غزة"، وفق وصفه.
وخلال الاقتحامات المتكررة للمدينة والمخيمات تحديدًا، تعمدت قوات الاحتلال تدمير المنازل والبنى التحتية المدنية بشكل كامل أحيانًا، كما حدث في اقتحام مطلع شهر يوليو/ تموز 2024، حيث جرفت قوات الاحتلال الشارع الرئيس لمخيم نور شمس ودمّرت بشكل جزئي أو كلّي أكثر من 800 منزل ومحل تجاري بهدف ضرب الحاضنة الشعبية للكتيبة.
ورغم كثرة الاقتحامات وقوتها ومختلف عمليات الاغتيال إلا أنه لا يبدو أنّ الاحتلال ينجح في مسعاه لإنهاء الكتيبة أو ما يشابهها من حالات مقاومة في الضفة الغربية، كونها استطاعت الاستفادة من تجارب الانتفاضات المتعاقبة ووجود حاضنة شعبية لها داخل المخيمات والقرى وإجراءات الاحتلال وسياساته ضد الفلسطينيين التي تعزّز القناعة بالتخلص من الاحتلال، وليس التعايش معه.