بين التلخيص للوصول إلى الجوهر وبين عرض الوقائع بتفاصيلها كافة، يُعيد موقع "القدس: القصة الكاملة" سرد قصة هذه المدينة الفريدة من منظور مجتمعها الفلسطيني الأصلي الكبير والمتنوع، وهي القصة التي لم تسلم بدورها من محاولات الطمس والإلغاء.
الموقع أطلقه أخيرًا المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالإنكليزية بعد جهد بحثي كبير، مقدمًا للقراء والباحثين سردًا موثقًا لقصة تُجمع عناصرها بتقنيات مختصّين؛ وتعزّزها الوثائق والصور وتدعمها الأرقام والإحصائيات، وتمنحها شهادات المقدسيين مساحة تفاعلية بين الماضي والحاضر.
إعادة سرد القصة
بدأ العمل على "القدس: القصة الكاملة" قبل نحو ثلاثة أعوام، وعمل على إنجازه من حيث المحتوى والتصميم فريق متخصص من الباحثين والمتعاونين والمتطوعين.
ويفترض أن يعوّض هذا الموقع غياب منصات إلكترونية باللغة الإنكليزية تشرح للعالم الغربي كل ما يتعلق بمدينة القدس من منظور فلسطيني، في ظل مشاريع الاحتلال الاستيطانية والتوسعية وغياب السردية العربية عن المدينة، مقابل انتشار السردية الإسرائيلية.
يقول الدكتور عزمي بشارة، مدير المركز العربي، إن الموقع يشرح كل شيء عن القدس تقريبًا؛ بدءًا من حرب النكبة 1948 حتى الوقت الراهن، وأنه يحكي تاريخ القدس ومكوناتها وسكانها.
ويلفت إلى أنه يقدّم السردية الفلسطينية لقصة القدس والنكبة عبر آلاف المواد والوثائق والخرائط والقصص والصور والفيديوهات، كي لا تبقى السردية الصهيونية هي السائدة.
ويشير إلى أن قصة عرب القدس الغربية على سبيل المثال، لا تُحكى، ومثلها الكثير من القصص، ومن هنا كان شعار الموقع: "إعادة سرد قصة القدس"، معتبرًا أن هذه المهمة كان يجب أن تقوم بها الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامي أو لجنة القدس.
من الصورة الكبرى إلى شخصيات القدس
يُعد قسم "الصورة الكبرى" أحد أكبر أقسام الموقع، حيث يقدم سيرة تاريخية للقدس مع ما طرأ عليها في أعقاب النكبة، بما في ذلك تغيير تركيبتها الديمغرافية عبر السياسات الإسرائيلية؛ من تهجير واستبعاد ومصادرة أملاك وإحلال و"تخطيط حضري" ونظام تصاريح وجدار فصل.
إلى ذلك، يعرض الموقع لقصة القدس بحدودها التي تغيّرت مع توسّع الاحتلال ومخططاته، فضلًا عن تقييد الوصول إليها، عبر نظام إسرائيلي "يتحكم بالحركة على أساس الهوية". كما يقدم خريطة تفاعلية لتبيان مدى التوغل الإسرائيلي في مدينة القدس عبر الأزمنة.
وكذلك يسلط الضوء على المقدسيين من حيث وضعهم القانوني وتاريخهم الجماعي، وأيضًا بشكل فردي من خلال نماذج لأشخاص وعائلات وأماكن ومنظمات فاعلة على الأرض، معتمدًا في عرضه، كما في جميع أبوابه وأقسامه، على مواد بصرية غنية، من صور ورسوم بيانية وخرائط ومقاطع فيديو.
دفتر يوميات وشروحات
والموقع يخصص حيزًا لسير مقدسيين اشتهروا في مجالات مختلفة، وكانت لحياتهم وأعمالهم مساهمتها في القصة الكبرى للقدس، مثل الفنان التشيكيلي كمال بلاطة، والإعلامية الشهيدة شيرين أبو عاقلة، والمربي حسني الأشهب، والمؤرخ والباحث ألبرت أغازريان.
ويقدم عبر "دفتر يوميات القدس" مساحة للتدوين، أطلت عند الانطلاقة على جانب من خصوصية المدينة؛ تُترجمه شخصيات تطبعها، مثل الحكواتي، ومناسبات دينية يحتفل بها السكان، فضلًا عن الصناعات الحرفية التي اشتهرت بها المدينة.
ويحضر في هذا الجانب أيضًا واقع المدينة المؤلم بما فيه من هدم للمنازل على مرأى من ساكنيها، وقرى مهجرة منذ النكبة.
وعبر قسم مخصص للمعلومات السريعة، يمكن للقارئ الحصول على إجابات موجزة عن أسئلة حول تاريخ الاحتلال الإسرائيلي، وكيف أصبحت القدس الغربية تحت الاحتلال، وعدد الفلسطينيين الذين طُردوا قسرًا من القدس أثناء نكبة العام 1948 وبعدها، وعما إذا يمكن للفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة العبور إلى القدس بحرية.
والموقع يجيب عما قد يطرح من علامات استفهام حول تعابير "معقدة ومثيرة للجدل"، مقدمًا شروحات للمفردات وتعريفات للمصطلحات واللجان، بما يمكّن القارئ والباحث من فهم التعابير المستخدمة على غرار الاعتقال الإداري، ونظام الفصل العنصري، والهيئة العربية العليا، والمناطق أ وب وج، والمنطقة العازلة، والحواجز.
تقول مديرة الموقع كيت روحانا، إن الموقع يهدف إلى تقديم الحقائق التاريخية والسردية، التي غُيِّبت عن الكثيرين، والتي لا بد من أن يعرفها المهتمون بالقدس وتاريخها"، داعية هؤلاء إلى المشاركة في قصص الموقع عبر بوابة التطوع التي يوفرها.
ويتفاعل موقع "القدس: القصة الكاملة" (jerusalemstory.com) مع متابعيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال صفحاته على فايسبوك وتويتر وكذلك على إنستغرام.