يتداعى نظام الرعاية الصحية اللبناني وسط أزمة اقتصادية طاحنة أدت لنزوح جماعي لآلاف الأطباء والممرضين وإجبار مستشفيات خاصة على إغلاق بعض أقسامها بما شكل مزيدًا من الضغوط على القطاع الصحي الحكومي الذي يتعرض بالفعل لما يفوق طاقته.
وقال وزير الصحة اللبناني فراس أبيض لرويترز هذا الأسبوع: "إذا استمرت الأزمة وطالت من غير إيجاد حلول، طبعًا نحن سنقترب أكثر لحدوث انهيارات كبيرة".
تدخل المركزي
ويهوي الاقتصاد اللبناني في سقوط حر منذ عام 2019 وفقدت العملة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها رغم تدخل مصرف لبنان المركزي في الأسبوع الأخير وارتفاع الليرة اللبنانية مقابل الدولار، حيث وصل سعر الدولار لأقل من 24 ألف ليرة بعد أن سجل 34 ألف ليرة الأسبوع الفائت، في وقت حذر فيه خبراء اقتصاديون من أن ذلك غير مستدام ما لم تنفذ الحكومة الإصلاحات المؤجلة.
وأعلن البنك المركزي الأسبوع الماضي أن بإمكان البنوك شراء الدولارات منه من دون حد أقصى، بالسعر الذي تحدده منصة صيرفة التابعة له والتي دأبت على تحديد أسعار أفضل لليرة من أسعار السوق الموازية. وبلغ سعر المنصة يوم الثلاثاء 23300 ليرة للدولار.
الاتفاق مع صندوق النقد الدولي
وتقول الحكومة التي تولت السلطة في سبتمبر/ أيلول 2021، إنها تهدف إلى الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بما يفتح الباب أمام دعم المانحين. لكنها لم تنفذ حتى الآن الإصلاحات التي طلبها المانحون لمعالجة أسباب الانهيار مثل الهدر والفساد.
وقال وزير الصحة إن "البلاد بحاجة إلى التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ إصلاحات لتتمكن من الحصول على دعم من الجهات المانحة".
لكن الحكومة المعينة في سبتمبر/ أيلول لم تجتمع منذ ثلاثة أشهر بسبب خلافات سياسية مما أجل التحضيرات للمحادثات مع صندوق النقد الدولي.
وكان حزب الله وحركة أمل أعلنا في بيان مشترك الموافقة على حضور جلسات مجلس الوزراء "المخصصة لإقرار الموازنة العامة للدولة ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي، وكل ما يرتبط بتحسين الوضع المعيشي والحياتي للبنانيين".
وأتى قرار الحزبين الحليفين بعد تعليقهما المشاركة في الجلسات الحكومية طوال الأشهر الثلاثة المنصرمة، بسبب المطالبة بما سمّياه "دفع المحقق العدلي ومن يقف خلفه إلى العودة إلى الأصول القانونية المتبعة في موضوع التحقيقات المتعلقة بانفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب 2020".
أزمة القطاع الصحي
ودفع انهيار النظام المالي تحت وطأة الدين العام اللبناني الضخم وتمويله بالاقتراض من البنوك التجارية بأغلب السكان إلى الفقر ودفع المهنيين وذوي الخبرة في القطاع الصحي وغيره من القطاعات للسفر إلى الخارج للعمل.
ويقول مدير العناية الطبية في وزارة الصحة جوزيف الحلو: "إن المستشفيات الخاصة في البلاد، التي اعتبرت في وقت من الأوقات مركزًا إقليميًا للعلاج الطبي، كانت تشكل 80% من المؤسسات الطبية والخدمات الصحية قبل الأزمة، لكن الآن لم يعد لدى الكثير من الناس القدرة المالية للجوء إليها وأصبحوا يتجهون لمستشفيات الدولة".
وأشار الحلو إلى أن الوزارة كانت تغطي فواتير الرعاية الطبية لنحو 50% من السكان قبل الأزمة أما الآن فنحو 70% من المواطنين يطلبون المساعدة بما فرض ضغوطًا إضافية على ميزانية الوزارة الآخذة أصلًا في التقلص. وأضاف أن ديونًا ضخمة تتراكم في المستشفيات.
وأوضح الحلو أن ميزانية الوزارة بالدولار كانت توازي 300 مليون دولار قبل الأزمة لكنّها تعادل الآن 20 مليون دولار بعد انهيار العملة.
ويضطر المرضى وذووهم في العادة للدفع مقدمًا حتى لو كانت وزارة الصحة تغطي تكاليف علاجهم. ويقول الحلو: "إن نحو 40% من العاملين في القطاع الصحي، أي حوالي 2000 ممرض وممرضة و1000 طبيب، غادروا بالفعل لبنان خلال الأزمة وتوجه أغلبهم لأوروبا ودول عربية في الخليج". وتابع قائلًا إن كثيرين منهم من أصحاب التخصصات مما أجبر بعض المستشفيات الخاصة على إغلاق بعض الأقسام مثل أقسام الأورام أو القلب أو العظام أو الأطفال لأنها لا تجد أطباء لتشغيلها.
كما تنذر الانتخابات المقرر إجراؤها في مايو/ أيار المقبل بالمزيد من التأجيلات. وقال أبيض: "لا شك في أن لبنان بلد مريض الآن"، معتبرًا أن المرض الموجود حاليًا يمكن التعافي منه ويمكن للبنان أن يسترجع عافيته لكن يجب الالتزام بوصفة طبية معينة.