مع استمرار مجازر الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، لا تتوقف المعارك الضارية في شمال قطاع غزة ولا جنوبه، وتحديدًا في مخيم جباليا وشرق رفح.
وقد اشتعلت محاور التوغل الإسرائيلي باشتباكات طاحنة، فتكبدت القوات المعادية خسائر في الجنود والآليات، أعلنتها تباعًا بيانات فصائل المقاومة، مرفقة بمشاهد مصوّرة توثق ما يحصل وكأن الحرب في أيامها الأولى من العدوان.
سجال غالانت ونتنياهو
إلى ذلك، عرّت الأحداث المتتابعة في القطاع خلافات مجلس حرب الاحتلال، وسط مناوشات كلامية بين وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وفي مؤتمر صحفي منفرد حاد، قال غالانت إنه طالب نتنياهو بإيجاد بديل لسلطة حركة حماس في القطاع، إلا أن الأخير لم يلقِ بالًا ولم ينصت لمطالبه، ليعود غالانت ويؤكد معارضته الشديدة لأي حكم عسكري إسرائيلي في القطاع.
في المقابل، رد نتنياهو على غالانت، وجدّد علنًا رفضه دخول أي جهة مدنية لإدارة شؤون غزة، ومن بينها السلطة الفلسطينية.
وفي الوقت الذي تتجهز فيه المنطقة لاستقبال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان لبحث عملية رفح مع الإسرائيليين، بدأت سفن عدة بالوصول إلى الرصيف العائم المؤقت بعد تثبيته من قبل الجيش الأميركي قبالة شاطئ غزة لتقديم مساعدات للمدنيين الفلسطينيين.
في الأثناء، أظهرت صور أقمار صناعية مشاهد التهجير القسري لسكان رفح إلى منطقة المواصي غير المجهزة بأي شكل من أشكال الحياة، في وقت قدّرت الأمم المتحدة عدد النازحين بنحو 600 ألف شخص نزحوا منذ أن كثف الاحتلال عملياته العسكرية في رفح جنوبي غزة.
"مسعى للثأر والانتقام"
وفي السياق، قال معين الطاهر، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إن القيادة الإسرائيلية تتصرف منذ السابع من أكتوبر في مسعى للثأر والانتقام دون أهداف إستراتيجية واضحة.
ولفت في حديث إلى "العربي" من عمّان، إلى أن تلك القيادة "رفعت فقط شعار تصفية حركة حماس، ولكنها استخدمت ليس فقط فائض القوة بل أيضًا أسلحة وذخائر أميركية خارج حدود ما يتفق مع قواعد علم الحرب".
وشدد على أن "إسرائيل قامت بحرب إبادة جماعية للسكان وبهدم المنازل لجعل غزة منطقة غير قابلة للحياة"، مشيرًا إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تجتمع حتى اللحظة لبحث ما الذي تريده من قطاع غزة ولبحث اليوم التالي لما بعد الحرب".
إلى ذلك، اعتبر الطاهر أن "واشنطن كلما طرحت مسألة واعترض عليها نتنياهو تلتف حولها كي تلتقي بشكل أو بآخر مع الرؤية الإسرائيلية، دون أن ينفي ذلك وجود خلاف أميركي إسرائيلي تعبّر عنه جهات في الحكومة الإسرائيلية ".
"عدم وجود أهداف واضحة"
بدوره، اعتبر مهند مصطفى، الباحث في مركز مدى الكرمل، تعليقًا على التطورات الميدانية التي تذكر بالأسابيع الأولى للحرب على غزة، أن "الأمر يُقرأ على أنه نابع من عدم وجود أهداف واضحة لدى إسرائيل لهذه الحرب".
وأشار في حديثه إلى "العربي" من أم الفحم، إلى نقاش جدي في إسرائيل حول واقعية الأهداف التي وضعتها إسرائيل منذ بداية الحرب، وهي القضاء على حماس وإعادة المحتجزين الإسرائيليين.
وأردف: "أصبح من الواضح الآن، على الأقل بالنسبة للهدف الأول، أنه غير واقعي وغير قابل للتنفيذ وأنه كان نابعًا من رؤية متسرعة جدًا وغير حكيمة في ما يتعلق بوضع هذا الهدف".
وقال إن عدم وجود أهداف واضحة للحرب "يجعل الجيش الإسرائيلي يغرق في مستنقع قطاع غزة كما يقول الإسرائيليون".
وأعرب عن اعتقاده بأن ما يحدث نابع أيضًا من سلسلة إخفاقات في التقديرات الإسرائيلية لما يحدث في غزة، ومن خلل في التقديرات الإسرائيلية بشأن قدرات الفصائل الفلسطينية في القطاع.
"لم نره يمسك بزمام الأمور"
من جانبه، رأى ميك ميلروي، النائب السابق لمساعد وزير الدفاع الأميركي أن واشنطن دعمت منذ البداية الأهداف العامة لإسرائيل من حيث "تدمير" حماس عسكريًا.
وقال ميلروي في حديثه لـ"العربي" من مونتانا: "إن ما لم نره في ما يخص الجيش الإسرائيلي هو الإمساك بزمام الأمور في المنطقة التي يقوم باحتلاها ثم يخرج منها".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تدعم الإستراتيجية لكن لديها مشاكل في ما يخص سلوك إسرائيل في غزة، لا سيما مبدأ عدم التناسبية في استخدام القوة وسقوط مدنيين.