ما زالت قصة المتطوعين الأجانب في أوكرانيا غامضة التفاصيل، وتثير حولها الكثير من علامات الاستفهام.
ويظل التساؤل مستمرًا حول الأسباب التي دفعت هؤلاء للدخول في الحرب، وعن مصيرهم بعد عودتهم إلى بلادهم.
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد دعا، بعد أربعة أيام فقط من إعلان نظيره الروسي فلاديمير بوتين "عملية عسكرية ضد أوكرانيا"، إلى تأسيس فيلق دولي للمتطوعين من خارج البلاد بهدف القتال إلى جانب الجيش الأوكراني.
وقد وجدت هذه الدعوة قبولًا لدى الكثير من المتطوعين في العالم. فبحسب المسؤولين، تقدّم عبر موقع استقبال الطلبات الأوكراني أكثر من 20 ألف فرد من 52 دولة.
وفي هذه الحلقة، التي رافق فيها فريق برنامج "عين المكان" مجموعة أجنبية تقاتل في مدينة خاركيف، التي تُعد إحدى أهم جبهات الحرب، يعرض "العربي" قصص مقاتلين أجانب ويرصد الدور الذي لعبوه في الجبهات..
من أين يأتي المتطوعون؟
يأتي المتطوعون إلى أوكرانيا من عدد من الأماكن؛ أهمها أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفيتية السابقة بالإضافة إلى بولندا وجورجيا وبيلاروسيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا.
كما يتواجد على الأراضي الأوكرانية متطوعون من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وألمانيا وفرنسا.
وبينما تختلف أدوار المتطوّعين، يشير الخبراء إلى أن الدور المركزي للمقاتلين الأجانب هو بروزهم في حملات العلاقات العامة والدعاية على كلا الجانبين، وهو ما ساعد أوكرانيا على تدويل القضية.
في المقابل، تستخدم روسيا الأجانب الأسرى للترويج للرواية القائلة بأن أوكرانيا لديها داعمون غربيون، وأن المقاتلين من الأجانب هم في الغالب من النازيين الجدد.
يقول أحد المتطوعين إن اسمه الحركي هو "سوب" وأنه من اسكتلندا، لافتًا إلى أنه كان في السابق مهندسًا "يصلح الأشياء ويخربها"، على حد تعبيره.
يستعيد المقاتل يومًا كان فيه داخل الورشة يلهو ويستمع للراديو، حيث بُثت أخبار حول ما يحدث في أوكرانيا، ويقول إنه في المساء، وبينما كان يشاهد نتفليكس ويشرب الكحول، بدأت الأمور تتفاقم.
ويضيف أنه راح يفكر في أحداث يومه؛ كيف يمكنه الجلوس في منزله ومشاهدة التلفاز وتناول الطعام، بعد سماعه على الراديو أن الناس يفقدون منازلهم ويُضطرون لمغادرة بلدهم.
ويؤكد أن "حافزه الأساسي للمجيء إلى أوكرانيا، كان للتمكن من مساعدة هؤلاء"، كاشفًا أن مشاركته في هذه الحرب هي تجربته القتالية الأولى.
وفيما يصف المقاتلين بأنهم عائلته حرفيًا، يقول: "أنت لا تقاتل هنا من أجل نفسك، بل من أجل الرجال الذين من حولك".
متطوع آخر، واسمه جيمي سواب وهو من بريطانيا، يقول إنه اعتبر أنه من "المقرف" أن تقوم روسيا بغزو أوكرانيا.
ويلفت إلى أنه كان يتابع الكثير من أخبار مواقع التواصل الاجتماعي ورأى المقاتلات الحربية تحلق فوق رؤوس الأطفال الخائفين، فضلًا عن قصف المدنيين وقتلهم وذبحهم، وفكر أن يفعل شيئًا حيال الأمر".
ويوضح أنه قرّر المجيء إلى أوكرانيا والمساعدة في القتال، لأن مشاهدة الأمر كانت "فظيعة".
"مرتزقة وأحكام بالإعدام"
تُعد القرى الأوكرانية غريبة على المقاتلين الأجانب؛ فالتضاريس لم يعهدوها من قبل، واللغة لا يتقنونها. ومع ذلك، فهم يصارعون للبقاء، بالرغم من الحد الأدنى من التدريب الذي تلقوه في أوكرانيا لفترة وجيزة.
يبدو كل ذلك جليًا من خلال القلق الذي يُشاهد في أعينهم، ولا سيما أن الحكومة الروسية لا تعتبر هؤلاء المقاتلين أسرى حرب في حال تم القبض عليهم، بل تعدهم مرتزقة وقد يُحكم عليهم بالإعدام.
ففي منتصف أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت القوات الروسية اعتقال ثلاثة أجانب في مدينة ماريوبول، اثنان من المملكة المتحدة ومواطن مغربي يُدعى إبراهيم سعدون.
وقد صرّحت روسيا بعدها أنهم كانوا مرتزقة ينتمون إلى اللواء 36 من مشاة البحرية الأوكرانية، ويعملون جنبًا إلى جنب مع وحدتهم لمحاربة القوات الروسية في ماريوبول.
وبعد صدور حكم بالإعدام، تمكّن المواطن المغربي بعد جهود دولية ومغربية حثيثة من العودة إلى بلاده.
يقول والد ابراهيم، الطاهر سعدون، إن ابنه كان في أوكرانيا منذ العام 2019 يدرس في معهد التكنولوجيا وديناميات علوم الفضاء.
ويشير إلى أن ابراهيم كان يرى ما تشهده أوكرانيا من تهجير ودمار، وقبِل على الفور الانضمام إلى القوات المقاتلة عندما عُرض عليه ذلك.
ويتوقف عند كيفية تلقيه خبر إلقاء القبض على ابراهيم وما تلا ذلك، ويلفت إلى أنه كان مستعدًا للذهاب إلى محكمة دونتسك لحضور جلسة النقض والترافع عن ابنه، وهو الأمر الذي كان رُفض للمحامين الأجانب، حتى سمع بخبر دخول المملكة العربية السعودية والرئيس التركي على الخط لحلحلة الملف.
"ما زال هناك الكثير من القتال"
شارك المقاتلون الأجانب في معارك كبيرة نالت التقدير كمساهماتهم مع أوكرانيا في استعادة إربين من القوات الروسية.
ومع ذلك، لا يمكن القول إن لوجودهم عاملًا حاسمًا في عموم الحرب، فمثلًا في معركتَي سيفيرو دونتسك الشهيرتين لعب المقاتلون الأجانب دورًا في تمكين القوات الأوكرانية من الصمود ضد الروس، وبالرغم من ذلك تم الاستيلاء على المدينة.
وتكرر السيناريو نفسه مع الفيلق الجورجي، الذي ورد أنه يضم حوالي 700 مقاتل أجنبي كان من بين أول من واجه القوات الروسية في مطار هوستوميل. لكنه أيضًا فُقد في النهاية.
من ناحيته، جاء المتطوع جيمي بوندريك من الولايات المتحدة. يروي تجربته، فيشير إلى أنه ركب طائرة إلى لندن، وهناك أرادوا معرفة ما سيفعله وما هي وجهته والغاية من ذلك، فضلًا عن مدة بقائه هناك.
ويردف بأن صديقًا نقله من وارسو، التي بقي فيها أسبوعًا ليجهز نفسه، وأصدقاء آخرين إلى الحدود، ثم توجه برفقة صديق آخر قام باستقبالهم إلى كييف.
ويشير بوندريك إلى أنه لم يخض معركة قط قبل تلك التي يخوضها، موضحًا أنه مدرب ولديه شركة تدريب.
ويلفت إلى أن الكثير من المقاتلين في أوكرانيا لم يقاتلوا سابقًا قط، بينما لدى آخرين خبرات سابقة.
ويعتبر أن الأمر يتعلّق أكثر بكيفية تعامل المتطوع كفرد مع الوضع، متحدثًا "من وجهة نظر أميركية عن نوع مختلف من المعارك عما رأيناه سابقًا في الشرق الأوسط بشكل خاص".
روب روليان، المتطوع أيضًا من الولايات المتحدة، يشير إلى أن القدوم إلى أوكرانيا بخبرات عسكرية خاصة قد لا يكون مهمًا، ففي بعض الأحيان لا يمكن معرفة ما يمكن للرجل فعله حتى يبدأ إطلاق النار.
وبينما يكشف أن "بعض الرجال هربوا"، يلفت إلى أنه هنا مع القلة التي صمدت وهو ممتن لذلك.
ويؤكد أنه ما زال هناك الكثير من الحرب والقتال، الأمر الذي يتطلب الكثير من الصبر، وفق تعبيره، وينبه من أن "المتطوع متى بدأ بالتذمر فسيدمره ذلك".
يمسك روليان بين يديه هاتفًا تظهر على شاشته دبابة تقع على بعد 1100 ياردة من الموقع الذي يتواجد فيه، ويوضح أن الآلية تهرب وتطلق الدخان للتمكن من ذلك.
ويردف بأن "الروس يظنون أننا لا نراهم، لكننا نستخدم الطائرات المسيّرة هنا".
"عين المكان" عند الخطوط الأمامية
يقضي المتطوّعون استراحتهم لعدة ساعات، قبل أن ينتقلوا إلى الجبهة رفقة أسلحتهم النوعية ويبدأوا مطاردة الجنود الروس، وفق ما يقولون.
بالنسبة لهم، تجذب الحروب الكثير من الشباب الذين يريدون إبراز قوتهم أو تكون فرصة لتحقيق أحلامهم وبطولاتهم.
اتجه فريق "عين المكان" رفقة مجموعة المقاتلين إلى الخطوط الأمامية، حيث قامت بتنفيذ مهمات إستراتيجية مثل الكشف عن نقاط العدو وتدمير الدبابات باستخدام أسلحة متطورة وطائرات درون.
وكانت تلك المرة الأولى التي يسمحون فيها لفريق تلفزيوني بالتنقل معهم إلى مقراتهم السرية على خطوط الجبهة الأمامية.
بدأت المعركة بينما كان على الفريق الانتظار في الخندق، ومنحَه المتطوعون بعض المقاطع المصورة للمعركة التي فُجرت فيها دبابة.
وبينما مُنع من تصوير ما جرى خارج الخندق، إلا أن آثار الدمار التي خلّفتها المعارك كانت واضحة بعد أن خمدت أصوات المدافع.
المزيد مما رصده "عين المكان"، ومن شهادات مقاتلين أجانب فيما يخص مهام تدريب المتطوعين ومسائل أخرى منها سلامة استخدام السلاح.. في الحلقة المرفقة.