تباينت المواقف الدولية بشأن الهجمات الإيرانية التي شنت لأول مرة على العمق الإسرائيلي بعشرات الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية وصواريخ كروز، ردًا على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق.
فقد أدانت الولايات المتحدة وبريطانيا بطبيعة الحال الخطوة الإيرانية، وأدانتها الدول الغربية، بينما ركزت ردود فعل الدول العربية على الدعوة إلى ضبط النفس ومنع التصعيد في المنطقة، وفي مواقف أخرى طالبت بمعالجة مسببات التوتر ذات الصلة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، والاحتلال للأراضي الفلسطينية.
ولم تتخذ المستويات الرسمية الإسرائيلية بعد، أي قرارات بشأن ردها المزمع على الهجمات الإيرانية، بينما التفاعلات الإقليمية والدولية مرهونة بعوامل عدة أبرزها حجم الرد والمكان الذي سينفذ فيه، وطبيعة الأهداف التي سيشملها. ومن ثم نتائجه المحتملة على أمن المنطقة واستقرارها، بل العالم.
في سياق ذلك، قال البيت الأبيض بشكل صريح، إن واشنطن لا تريد تصعيدًا للأزمة في الشرق الأوسط، وإن الرئيس جو بايدن أبلغ نتنياهو أن الولايات المتحدة لن تشارك في أي هجوم إسرائيلي ردًا على هجمات إيران، بالتوازي مع معلومات مسربة تحدثت عن حث بايدن، الجانب الإسرائيلي على عدم الرد على طهران.
بينما ظهر الموقف الإيراني حاسمًا، بالتأكيد على لسان الرئيس إبراهيم رئيسي بأن طهران سترد بقسوة على ما سماها أي مغامرة إسرائيلية قد تستهدف بلاده.
وليس بعيدًا عن الصعيدين الإقليمي والدولي، برزت أولى المؤشرات على بدء حكومة الاحتلال باستثمار الهجمات الإيرانية لصالحها.
وفي هذا السياق، تأتي تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت الذي قال إن أمام إسرائيل فرصة لبناء تحالف إستراتيجي ضد ما وصفه بالتهديد الإيراني الخطر.
وفي هذا السياق أيضًا تندرج تصريحات عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، الذي قال إن إسرائيل ستبني تحالفًا إقليميًا لمواجهة التهديد الإيراني، وإن ما وصفها بمنظومة التعاون الإقليمي "نجحت في الاختبار" في إشارة منه إلى تأكيدات إسرائيلية بمشاركة دول في المنطقة بصد الهجمات الإيرانية على إسرائيل، وفي إشارة كذلك إلى مشروع كثر الجدل فيه مؤخرًا تحت عنوان" الناتو الشرق أوسطي".
هل ارتدعت إسرائيل من الرد الإيراني؟
وفي هذا الإطار، أوضح الدبلوماسي الإيراني السابق سيد هادي أفقهي أن ما قامت به طهران أسندته إلى حق الردع، والدفاع عن النفس، حسب المنشور 51 من منشور الأمم المتحدة، وحسب معاهدة 1961 جنيف، لأن القنصليات والسفارات والبعثات الديبلوماسية ذات حصانة.
وفي حديث لـ"العربي" من طهران، أضاف أفقهي أن إيران وبعد تنفيذ هجومها لم تضمن ما إذا كانت إسرائيل قد ارتدعت أم لا، مشيرًا إلى أن المواجهة مع الاحتلال لن تنتهي بضربة أو اثنتين.
وأكد أن علاقات إيران مع دول الجوار هي في طور التحسن والتطوير، مشيرًا إلى أن طهران وفي هذه الأزمة، أوعزت إلى جيرانها كالسعودية وقطر والإمارات وغيرها من الدول العربية، بأن الجمهورية الإسلامية تواجه العدو الصهيوني، رغم أن الإمارات والبحرين مطبعة ولها سفارات إسرائيلية على أراضيها، حسب رأيه.
وشدد أفقهي على حرص بلاده على "ألا يستغل العدو الإسرائيلي أي خلافات قد تكون بين طهران وبعض جيرانها، خصوصًا مع السعودية".
واعتبر أن الحديث عن حل الدولتين شيء أشبه بالمزاح، بعد ما قامت به إسرائيل من عدوان على غزة وتقطيع أوصال الضفة، متسائلًا عن حدود الدولة الفلسطينية، وأين ستكون، أين مطاراتها؟ أين حقوقها؟ أين اقتصادها؟ أين قوانينها؟.
ما هو دور واشطن في الصراع الإسرائيلي الإيراني؟
من جانبها، أوضحت كبيرة الباحثين في مركز "ستيمسون" للأبحاث باربارا سلافين، أن الولايات المتحدة لديها بعض النفوذ، لكن لا يمكنها أن تملي على الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو الذي يتحدى الرؤساء الأميركيين لا سيما من الحزب الديمقراطي.
وأضافت في حديث لـ"العربي" من واشنطن، أن إسرائيل التي تهدد بالرد على الهجوم الإيراني تحتاج الولايات المتحدة الأميركية، مشيرة إلى أن هذه الأخيرة، ووفقًا للتقارير أسقطت 70 من المسيرات الإيرانية و6 صواريخ بالستية ومجنحة، معتبرة أن مساعدة أميركا لإسرائيل مهمة للغاية.
وأشارت سلافين إلى أن هناك حزم لتوفير السلاح لتل أبيب موجودة في الكونغرس، معربة عن اعتقادها بأنها ستمرر بسرعة، كنتيجة للهجوم الإيراني.
وفيما أشارت إلى أن واشنطن لا تريد حربًا أميركية إيرانية، لفتت سلافين إلى أنها لن تمنع إسرائيل من استهداف مسؤولين في الحرس الثوري وأهداف أخرى في إيران.
وتابعت أن أمام واشنطن عراقيل لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهي حكومة نتنياهو غير المهتمة بالسلام مع الفلسطينيين، وهي منهمكة في الاعتداء على غزة، مشيرة إلى أن الرأي العام الإسرائيلي منذ هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أصبح معارضًا لدولة فلسطينية مستقلة يشعر بأنها يمكن استخدامها من قبل حماس ومجموعات أخرى للاستمرار في الاعتداء على الإسرائيليين، حسب قولها.
وأعربت سلافين عن اعتقادها بأن ثمة آفاقًا للوصول إلى كيان فلسطيني ما، ولكن إسرائيل تريد واقعًا لدولة واحدة، مشيرة إلى أن الحل الأفضل سيكون مرتبطًا بتوفير الحقوق للجميع ضمن دولة واحدة، لكن الإسرائيليين أيضًا يرفضون ذلك.
وقالت: "إذا ما أرادت إيران حلًا سلميًا، فسيتعين عليها أن تمارس ضغوطًا على حماس لكي تصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع الإسرائيليين".
موقف الدول العربية من الصراع الإيراني الإسرائيلي
وبشأن ردود الفعل العربية، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر حسن البراري أن مواقف الدول العربية هي "كمن لا يفعل شيئًا" في هذا الصراع.
وفي حديث لـ"العربي" من لوسيل، أشار البراري إلى أن هناك دولًا عربية تتوجس من القوة الإيرانية، وقدرتها على إرسال المسيرات والصواريخ، من أن يكون ذلك تجربة لمواجهة قادمة إيرانية عربية، لافتًا إلى أن هناك خشية خاصة من الدول الخليجية من أن مصدر التهديد الأساسي لأمنها القومي هو إيران وليس إسرائيل.
البراري لفت إلى أن هناك دولًا عربية، ترى أن التهديد يأتي من السياسات الإسرائيلية، مضيفًا أنه لا يوجد هناك إجماع على مفهوم الأمن القومي العربي، وبالتالي جاءت ردود الدول العربية متباينة إلى حد ما، ما بين من ينشد الاستقرار وضبط النفس، وبينما من هو متحمس لهذا الهجوم.
ورأى البراري أن الدول العربية لا تستطيع أن تصنع الفرق على اعتبار أنها ليست لاعبًا فيما يجري ما بين إسرائيل وإيران، مشيرًا إلى أن هناك ملفات شائكة، وملفات إيرانية أممية، وملفات إيرانية إسرائيلية تتعلق برؤية كل طرف للآخر بأنه مصدر تهديد محتمل وقادم وربما حتمي في قادم الأيام.
وردًا على سؤال كيف يمكن للدول العربية الآن الاستثمار فيما جرى لإيجاد حل للقضية الفلسطينية واستعادة حقوق الفلسطينيين، أشار البراري إلى أن هناك حديثًا جديًا للعديد من الدول على أن الحل هو بإقامة دولة فلسطينية، مشيرًا إلى أن المشكلة الآن ليست مع نتنياهو شخصيًا ولا مع الفريق اليميني المتطرف الحاكم، بل مع بنية المجتمع الإسرائيلي.
وتابع :في حال لم يحدث ضغط كبير جدًا على هذا المجتمع لإعادة أولوياته وتعريف أولوياته الوطنية والتأثير على سلوك الناخب الإسرائيلي سننتهي بحكومة متطرفة".
وشدد البراري على وجوب أن تعرف الدول العربية خاصة تلك التي تتشجع للتطبيع مع إسرائيل أن التقارب مع الاحتلال هو يعطي مصداقية لمقولة اليمين الإسرائيلي بأن العرب لا يأبهون للقضية الفلسطينية، وبأن بإمكان إسرائيل أن تقضم الأرض وتطرد السكان، وفي الوقت ذاته تقيم علاقات تطبيعية وتحالفًا وتنسيقًا عسكريًا.
وأشار إلى أن هناك فرصة تاريخية قد لا تتكرر لعقود قادمة تكمن في أن المجتمع الدولي بدأ يفكر جديًا بأنه لا توجد طريقة لنزع فتيل التوتر في هذه المنطقة الهامة بالنسبة لكل القوى الدولية إلا من خلال إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
كما شدد البراري على وجوب أن تنسحب الدول العربية المطبعة تدريجيًا من هذه المعاهدات، وهذا من شأنه أيضًا أن يرسل رسالة واضحة للقوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بأنه لا يمكن لها أن تستمر في سياساتها والحفاظ على مصالحها، في وقت تتحالف فيه مع اليمين الإسرائيلي.
وأشار إلى أن إيران ليست لاعبًا يكال له المديح عند الدول العربية، وأن هناك من ينظر للدور الإيراني بأنه دور سلبي وتخريبي، وأن هناك من يعتقد بأن طهران ليست مهتمة بالقضية الفلسطينية، وإنما تستثمر هذه الورقة للمزايدات ولإحراج الأنظمة العربية التي ذهبت في اتجاه التطبيع، وبالتالي فالتنافس الإسرائيلي الإيراني في هذه المنطقة هو تنافس يتعلق بمصلحة كل بلد.