الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

الهيب هوب في شمال إفريقيا.. والحفاظ على الهوية الأساسية

الهيب هوب في شمال إفريقيا.. والحفاظ على الهوية الأساسية

شارك القصة

شباب من مجتمع الهيب هوب المحلي خلال أحد المهرجانات في تونس. (غيتي)
شباب من مجتمع الهيب هوب المحلي خلال أحد المهرجانات في تونس. (غيتي)
تواجه موسيقى الراب والهيب هوب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات شاقّة تتمثل في التنافس على الاعتراف بها في ظل هيمنة موسيقى البوب العربية.

منذ أن كانت في السابعة عشرة من عمرها، بدأت المغنية التونسية كوست عملها في مجال الراب، عندما قدّم لها أحد الأصدقاء موسيقى الهيب هوب لأول مرة في تونس. لكن في ذلك الوقت، كما تقول، كانت موسيقى الراب غير معروفة في البلاد.

انتقلت كوست إلى باريس، قبل أربع سنوات بهدف محدد، وهو عزف الموسيقى بحرية. نجحت في ذلك، وعزّزت مكانتها في مجال الراب التونسي الذي يهيمن عليه الرجال في المقام الأول. وحتى مع اكتساب موسيقى الراب والهيب هوب مكانة بارزة في تونس وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعتقد كوست أنه يجب القيام بالمزيد لإبراز المواهب في وطنها.

تقول كوست: "في رأيي، نحتاج إلى نشرات صوتية مناسبة، ومناقشات / مقابلات قيمة، ومنصات أكثر تخصصًا، وخبراء يتفاعلون مع الفنانين، ونقاد مموّلون جيدًا، وكلمات. جزء كبير من هذه الثقافة لا يزال مغمورًا، والجوانب القيمة يتمّ إهمالها أو يتمّ تمثيلها بشكل سيئ".

تواجه موسيقى الراب والهيب هوب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات شاقّة تتمثل في التنافس على الاعتراف بهذه الموسيقى والثقافة، في ظل هيمنة موسيقى البوب العربية. وتتميّز هذه الموسيقى بإضافة الطابع الغربي على الموسيقى العربية الكلاسيكية التي تُحدّدها العناصر التقليدية للارتجال (حيث تستمر الأغاني غالبًا لمدة تصل إلى ساعة)، واستخدام الآلات الأصلية في المنطقة مثل العود والمقام. 

ورغم أن البوب العربي لا يزال أكبر من أن نتجاهله، إلا أن النجاح التجاري لهذا النوع أدى إلى التكرار الذي أضعف الإبداع، إذ أصبحت الإيقاعات والنغمات رتيبة، ويبدو أن الموسيقى العربية فقدت هويتها الخاصة، أو فقدت نفسها في موسيقى البوب.

موجة جديدة

لكن يبدو أن موجة جديدة بدأت تتبلور في شمال إفريقيا.

يتعامل مغنّو الراب في المنطقة بجرأة مع موسيقى الهيب هوب والمشهد الموسيقي العربي الأكبر، من خلال استكشاف موضوعات محظورة وتفكيك العلامات المجتمعية لهوية شمال إفريقيا بشكل استباقي. إنهم يقومون بتجربة إنتاج الإيقاع واللهجة أثناء قيامهم بتخصيص مساحة لموسيقاهم.

ويستخدم المطربون في شمال إفريقيا تدفّقاتهم الغنائية وإيقاعاتهم للتعامل مع مسألة الهوية الأساسية. تبدو الموسيقى منعشة وتبثّ حياة جديدة في المشهد الموسيقي العربي المهيمن على موسيقى البوب.

اللغة

أحد الطرق التي يتجلّى فيها ذلك هو اختيار اللغة. تستخدم الغالبية العظمى من مغني الراب في شمال إفريقيا في المقام الأول لهجاتهم العربية الإقليمية والفرنسية في موسيقاهم. لكن العديد من الفنانين، وتحديداً الفنانين الشمال إفريقيين المقيمين في أوروبا، يستخدمون أيضًا الإسبانية والهولندية والإنكليزية في ألبوماتهم. يستخدم عدد قليل من الفنانين اللغات الأربع في أغنية واحدة.

 

في حين أن هذا العمل الموسيقي رائع، ويتحدث عن اتساع موهبة الفنانين، تُشير هاجر بن بوبكر، الباحثة المقيمة في باريس ومضيفة سلسلة "بودكاست" حول التراث الموسيقي العربي "Vintage Arab"، عن أن استخدام اللغة "مركزي ومؤلم" بشكل رئيسي بسبب اللغة التي عانت أثناء الحكم الاستعماري الأوروبي.

وشدّدت بوبكر على أهمية اللهجة والكلمة العامية في موسيقى الراب، لأنها "تتعلّق باستخدام لغة منطوقة شائعة في تطور مستمر وتضم تأثيرات أجنبية".

تاريخ مؤلم

نظرًا لأن لغة الهيب هوب في شمال إفريقيا محفوفة بتاريخ مؤلم، الأمر ينسحب على استكشاف الإيقاعات في مشهد الراب في المنطقة. يستخدم هؤلاء إيقاعات "البوب-إفريقية" والدمج بين اللغات في موسيقاهم إشارةً إلى بلدانهم الأصلية.

وأوضحت بوبكر أن الأنواع المختلفة من الموسيقى: الكناوة في المغرب، والديوان في الجزائر، والستامبالي في تونس، هي "نتاج نسج متميّز بين الموسيقى في شمال إفريقيا وجنوب إفريقيا والتقاليد الصوفية التي يُمكن أن تؤدي إلى حالة من النشوة الموسيقية".

من جهتها، تقول كريستينا مورينو ألميدا، زميلة في "كينغز كولدج" في لندن، والتي أجرت أبحاثًا عن ثقافة الراب في المغرب، إن مغني الراب "يعون ما يفعلون بإشاراتهم إلى العرق والأشخاص ذوي البشرة الملوّنة". 

وقالت ألميدا: "أشار الفنانون المغاربة، في وقت مبكر، إلى مالكولم إكس كوسيلة للربط بين العرق والسود والإسلام في الولايات المتحدة، واعتنقوا هويتهم الإفريقية من خلال موسيقاهم". 

نجاح متفاوت

يختلف نجاح موسيقى الهيب هوب أيضًا بين البلدان في جميع أنحاء شمال إفريقيا. في حين وجد رواد الأعمال المغاربة والمصريون فرصًا مبكرة، لم يتمتع الفنانون التونسيون والجزائريون على وجه الخصوص بهذه الفرصة.

لكنّ مغني الراب الجزائريين استعانوا بموسيقى الراي، التي أداها فنانون جزائريون بارزون، في موسيقاهم. يقول عمر الشنطي، الباحث في موسيقى الراي من منظور ما بعد الاستعمار، إن هذا النوع من الموسيقى يطرح سؤالًا عن "معنى أن تكون جزائريًا، خاصة وأن الفنانين الجزائريين، في التسعينيات وحتى يومنا هذا، يُسجّلون موسيقاهم بشكل أساسي في فرنسا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى لبثّها في الجزائر وبقية شمال إفريقيا".

واعتبر الشنطي أن هذا "تحويل خفي بدل البحث عن الفرص في مراكز الموسيقى والثقافة التقليدية في الشرق الأوسط / شمال إفريقيا مثل القاهرة وبيروت وبغداد".

استثمار فني

وبينما يُسجّل العديد من الفنانين ومغني الراب من شمال إفريقيا أغانيهم في أوروبا، وسّعت منصّات البثّ وسهلت الوصول إلى هؤلاء الفنانين وموسيقاهم بطريقة لم تكن ممكنة من قبل. فاستثمرت شركات مثل "Spotify" و "Deezer" و "Anghami" بكثافة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ونظّمت بعناية قوائم التشغيل التي تلبي احتياجات المستمعين الذين يسعون إلى اكتشاف الموسيقى والأنواع الموسيقية الأصلية في هذه البلدان.

استفاد فنانون مثل كوست من هذا العرض، لكن الهيب هوب بالنسبة لها يظل مجرد طريقة طبيعية "للعيش والوجود"، وتستمر في الاعتماد على تجاربها الحية للإلهام. تقول: "تتأثّر خلفياتي ومراجعي وطريقة تفكيري بشكل أساسٍ بكل شيء جرّبته خلال فترات مختلفة من حياتي، سواء في الوطن في تونس أو في أوروبا وربما في أي مكان آخر".

وسّعت منصّات البثّ وسهلت الوصول إلى هؤلاء الفنانين وموسيقاهم بطريقة لم تكن ممكنة من قبل

كان بروزها في مجال الراب في شمال إفريقيا ملحوظًا نظرًا للثقافة التي يُهيمن عليها الذكور في المنطقة. تحدت العديد من مغنيات الراب الأخريات من شمال إفريقيا، مثل ختيك وسيكوكوين، الوضع الذكوري السائد في المجتمع من خلال استخدام مجموعة مهارات غنائية شرسة في موسيقاهن، وبصراحة تفوقن على العديد من نظرائهن الذكور.

لكن بيري، مغنية الراب المصرية-المغربية التي صدمت المهرجانات ببروزها كواحدة من أفضل نجمات المنطقة، شدّدت على أنها لا تشعر بمسؤولية التحدّث عن النسوية أو أي شيء آخر". وقالت: "لا أحب إلقاء المسؤولية بالكامل على شخص ما، إذا لم يطلبني للغناء لمجرد كوني فتاة".

وأضافت "علينا فقط العودة إلى تاريخنا، وعلينا أن نبدأ بحب أنفسنا ونحتاج إلى التعرّف على من نحن حقًا لأننا لسنا عربًا بنسبة 100%. أن تكون مصريًا وأن تكون مغربيًا، فهذا يعني أن تكون إفريقيًا وفخورًا. ولهذا السبب لم أجد أي مشكلة في إحياء المهرجانات. أنا فخورة بثقافتي المزدوجة. أنا فخورة بقارتي".

ولد تاوسن، أحد أكبر مغني الراب المغاربة، في إيطاليا ويعيش حاليًا في بلجيكا، ويفتخر بـ "ثقافته الثلاثية". وقال: "الغناء باللغة العربية هو طريقتي للقول إنني مغربي، أصنع موسيقى جيدة، وسوف تتعلّم أن تُحبني". 

تابع القراءة
المصادر:
نيوزلاين ماغازين
Close