الثلاثاء 17 Sep / September 2024

اليمين المتطرف يحرض على المحكمة الإسرائيلية العليا.. ما علاقة العرب؟

اليمين المتطرف يحرض على المحكمة الإسرائيلية العليا.. ما علاقة العرب؟

شارك القصة

فقرة من برنامج "قضايا" تتساءل عن علاقة التحريض على المحكمة العليا الإسرائيلية بالتمييز ضد العرب (الصورة: غيتي)
يبني اليمين الإسرائيلي سردية من المظالم المنتقاة بعناية لتكثيف الهجوم على المحكمة العليا مفادها أنهم ضحايا لمؤسسة ليبرالية مفرطة في محاباة لأعداء إسرائيل.

أظهرت الاحتجاجات العارمة على مشروع التعديلات القضائية في إسرائيل عمق الانقسام داخلها والشرخ العميق بين فئات المجتمع، إلا أنّ هذا الانقسام يبقى تحت سقف "المبادئ" التي تأسست عليها إسرائيل وأهمها مبدأ "يهودية الدولة".

فعن سؤال أين موقع العرب من كل الجدل الدائر بشأن الانقسام حول التعديلات القضائية داخل إسرائيل؟ يبرز الجواب في الموقع القانوني الذي يميّز العرب داخل إسرائيل بوصفهم رعايا مستثنين من الحقوق الأساسية، التي تساوي بين جميع الأفراد حتى لو لم يلحظهم القانون نصًا.

فعندما يمس الأثر القانوني فئة دون أخرى، ويخرجها من دائرة المواطنة تكون تمييزية، وعندما تستقي قوانينها من الإرث والقيم اليهودية تكون أيضًا تمييزية.

ويجد العرب "مواطني إسرائيل" أنفسهم مواطنين في دولة لا تعبر عنهم، وتجد نفسها دولة لأشخاص ليسوا مواطنيها، فـ"قانون العودة" لعام 1950، الذي يمنح بموجبه اليهود الحق بالهجرة إلى إسرائيل من أبناء وأحفاد اليهود وزوجاتهم ليصبح الشخص مواطنًا إسرائيليًا بشكل تلقائي؛ يخرج الفلسطينيين من دائرة حق العودة إلى أراضيهم، حتى لو ولدوا في الأراضي الفلسطينية.

ويدعم هذا القانون تشريعًا صادرا بنفس العام ينظم أملاك الغائبين، الذين فروا من عمليات التهجير من العرب الفلسطينيين، وهو الأداة الأساسية للاستيلاء على أراضي الفلسطينيين في الداخل والخارج والاستحواذ على الأوقاف الإسلامية.

وإمعانًا في التمييز ضد العرب، فقد حرم قانون المواطنة وتعديلاته الصادر عام 1952 الفلسطينيين من حق العودة من خلال حرمانهم من حق الإقامة والجنسية، استنادًا إلى قانون العودة الخاص بالمهاجرين اليهود.

وأعطى التعديل التاسع للمادة الحادية عشرة من القانون المذكور صلاحيات سحب الجنسية من خلال توسيع مفهوم "الولاء لإسرائيل" ليخضع لمزاج القضاء، والذي وصل إلى إمكانية إلغاء الجنسية دون الحاجة إلى إدانة مدنية أو جنائية.

وعلى مستوى قوانين المشاركة السياسية، فقد قام المشرع الإسرائيلي عام 1958 بتشريع يحرم قوائم المرشحين التي تشير أهدافها وأفعالها ضمنيًا إلى إنكار إسرائيل كدولة يهودية، ما أخرج أحزابًا وتيارات عربية من دائرة المشاركة تلقائيًا.

وتم توسيع القانون بموجب التعديل الـ39 لعام 2008، ليشمل المرشحين الذين زاروا دولًا معادية مثل سوريا ولبنان والعراق وإيران، بهدف تضييق دائرة المشاركة وإخراج المرشحين العرب من المنافسات الانتخابية.

أمّا على مستوى الهويات الثقافية داخل إسرائيل فقد نصت المادة الرابعة والعشرون من قانون التفسير الصادر عام 1981، على أن النسخ العبرية للقوانين هي الصيغ الإرشادية لمصادر القانون، وبالتالي يكون المشرع قد تجاهل اللغة العربية كلغة رسمية في إسرائيل.

وجدير بالذكر أن بعض القوانين ذات الأثر التمييزي منذ عهد الانتداب البريطاني ما زالت سارية في قانون التجارة مع العدو لعام 1939، والذي يفرض حظرًا تامًا على جميع أشكال التجارة مع الدول المعادية، مما قيد العلاقات اللغوية والثقافية وحتى العائلية بين الفلسطينيين العرب مع أشقائهم في الدول العربية.

"مادة للتخويف والتحريض"

ولطالما كان العرب الفلسطينيون داخل الخط الأخضر، مادة للتخويف والتحريض الذي يشد عصب السواد الأعظم من المجتمع الإسرائيلي، يستخدمه السياسيون لشرعنة قراراتهم أو لتمرير مشاريعهم تحت عناوين حماية الدولة من ألا تنخر من داخلها، ومواجهة المخاطر التي تشكلها البقية الباقية من الفلسطينيين داخل إسرائيل، وتزداد مع الزمن عددًا ووعيًا وتكوينا لرأي عام داعم لبرامجهم السياسية.

لهذا كان لا بد من استخدام فزاعة العرب مواطني إسرائيل وتوظيفها في المعركة الدائرة بشأن مشروع التعديلات القضائية في إسرائيل، ولدعم وجهة نظر القائلين بضرورتها لإعادة التوازن إلى النظام السياسي، بعد أن وقفت المحكمة العليا وقراراتها حائلًا دون تمرير العديد من القرارات ومشاريع القوانين المقترحة من الحكومة والكنيست الإسرائيليين، كما يدعون.

ويقف الحشد ضد النظام القضائي والمحكمة العليا على وجه الخصوص، خلفه تنظير قانوني وسياسي، يفند تاريخ المحكمة العليا، ويبرز اسم سيمحا روتمان رئيس لجنة الدستور والقانون في الكنيست المشرفة على التعديلات والقيادي في حزب الصهيونية الدينية كأحد منظري التعديلات القضائية، يشاركه في ذلك وزير القضاء الحالي ياريف ليفين.

"حزب محكمة العدل العليا"

فطروحات روتمان بشأن التعديلات القضائية أجملها في كتاب أصدره تحت عنوان "حزب محكمة العدل العليا"، إذ تتلخص هذه الطروحات في أن المحاكم الإسرائيلية لطالما وقفت عقبة أمام إرساء الطابع اليهودي للدولة والتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية.

ويبني اليمين الإسرائيلي سردية من المظالم المنتقاة بعناية لتكثيف الهجوم على المحكمة العليا مفادها أنهم ضحايا لمؤسسة ليبرالية مفرطة في محاباة لأعداء إسرائيل، بحيث لن يكون أسهل على روتمان وباقي زملائه من تعيين العرب كعدو لإسرائيل ومستقبلها.

إذ يحاجج روتمان ومن ورائه جميع المناهضين للنظام القضائي بالحالات القليلة والنادرة التي حكمت فيها المحكمة العليا ضد المستوطنين، وضد القرارات الإدارية التمييزية المعادية للفلسطينيين.

ومن هذه القضايا قضية عائلة قعدان الفلسطينية عندما أقرت المحكمة العليا تخصيص قطعة أرض لصالح العائلة في بلدة كتسير التي أرادت دائرة أراضي إسرائيل تخصيصها لليهود فقط، ومنع العرب من السكن فيها، علمًا بأن القرار لم ينفذ، بالرغم من جميع الالتماسات اللاحقة للمحكمة العليا.

ولن يفوت رودتان الهجوم على مشاركة الفلسطينيين في الانتخابات ودخول مرشحين عرب إلى قلب المؤسسة التشريعية والاستشهاد بمواقفهم المناهضة للمشروع الصهيوني، معتبرًا أن المحكمة العليا كانت مرنة جدًا مع التنظيمات والأحزاب العربية وقادتهم.

ترسخ إسرائيل كـ"دولة لليهود"

وتأتي وجهة النظر هذه، بينما يتم تجاهل البنية السياسية والقانونية التي تقوم عليها أصلًا المحكمة العليا والتي ترسخ إسرائيل كدولة لليهود وتحدد مسبقًا مكانة العرب في أدنى سلم المواطنة، وذلك من خلال المصادقة على القرارات والأحكام ذات الطابع العنصري التي تستهدف وجودهم، كالمصادقة على هدم منازل الفلسطينيين والأحكام القضائية المرتفعة ضد الأسرى الفلسطينيين، وقوننة جرائم الاغتيالات، وترخيص بناء جدار الفصل العنصري، حتى إن رئيس المحكمة العليا السابق أهارون باراك قال إن أمن الإسرائيليين أهم بكثير من حقوق الفلسطينيين.

وباراك هذا وللمفارقة هو الذي ينظر إليه اليمينيون بأنه صاحب الميول الليبرالية المرنة مع العرب، وهو من تنسب إليه توسيع صلاحيات المحكمة العليا التي تستهدفها التعديلات القضائية الجديدة.

هذه السردية المركبة من الخوف والمظالم وتوظيف العرب الفلسطينيين في الجدل الدائر بشأن التعديلات القضائية جزء من التجنيد الممنهج الذي يخوضه اليمين لتوجيه الرأي العام في إسرائيل، واستثمار المشاعر المعادية للعرب باعتبارها مكونًا نفسيًا وثقافيًا متجذرًا في الوعي الإسرائيلي.

الصراع الإسرائيلي بين العلمانيين والمتدينين

وبشأن موقع العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر من الصراع المحتدم في إسرائيل بين العلمانيين والمتدينين، يوضح الكاتب السياسي سليمان أبو رشيد أن العرب الفلسطينيين على هامش هذا الصراع الذي يدور حول صورة دولة إسرائيل وماهيتها، مشيرًا إلى أنه لطالما استثنت الإثنوقراطية الإسرائيلية العرب، وهذا ينبع من كون هذه الدولة تعرف نفسها كدولة يهودية، وهي بذلك تسقط العرب من نظامها الديمقراطي.

وفي حديث لـ"العربي" من مدينة الناصرة داخل الخط الأخضر، يضيف أبو رشيد أن الصراع الإسرائيلي بين الأحزاب الصهيونية نفسها يتمحور حول طبيعة الدولة اليهودية، لافتًا إلى أن العرب لم يجدوا لأنفسهم مكانًا في هذا الصراع، لا داخل المعارضة ولا داخل الائتلاف الحكومي.

ويتابع أنه حتى الأحزاب التي كانت عادة ما ترفع شعارات نضال عربي يهودي وأخوة عربية يهودية، وجدت نفسها خارج هذا الصراع، مبينًا أن نتيجة هذا الصراع ستؤثر على العرب، وأن أي تغيير سلبي في بنية النظام الذي يسمى بالديمقراطي، وأي إضعاف للمحكمة العليا أيضًا سيؤثر على العرب.

هل أنصفت المحكمة العليا العرب؟

يؤكد أبو رشيد أن المحكمة العليا لم تقف في صف العرب في معظم الحالات التي استنجدوا بها فيها، مضيفًا أن المحكمة العليا ردت جميع الاستئنافات المتعلقة بقانون القومية الذي يعتبر إسرائيل دولة لليهود فقط، ويخرج العرب من دائرة الدولة نهائيًا ومن حقهم في تقرير المصير ومن حقهم في الأراضي والمشاركة.

ويردف أن العليا رفضت جميع الاستئنافات التي توجهت بها جمعيات حقوق الإنسان، وأعضاء كنيست عرب بما يتعلق بقانون القومية، كما شرعنت قانون الجنسية أي منع لم الشمل ومنعت العرب من الزواج من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا وغيرها.

ويوضح أن المنافسة داخل إسرائيل تتمثل في التنافس حول من هو معاد للعرب أكثر ومن هو معاد للفلسطينيين أكثر، حتى اليسار الإسرائيلي الذي يرفع شعارات ليبرالية لم يقف ضد معظم القوانين المعادية للعرب، لافتًا إلى أن هناك إجماعًا صهيونيًا يتعلق بالقضايا المركزية المتعلقة بيهودية الدولة وشرعنة الاحتلال.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close