انتهاكات لا تحصى ضد أطفال فلسطين.. هكذا تعاملهم إسرائيل في سجونها
لطالما كانت السجون الإسرائيلية عصية على مراقبة المنظمات الإنسانية المعنية بحقوق الإنسان. غير أن صفقة تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والاحتلال الإسرائيلي خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كشفت الفظائع والواقع المروّع المتمثّل في احتجاز إسرائيل المنهجي للأطفال الفلسطينيين.
وأثارت الصفقة التي تمت بوساطة قطرية- مصرية على ست دفعات من 24 إلى 30 نوفمبر، تساؤلات حول سبب احتجاز هذا العدد الكبير من الأطفال في السجون الإسرائيلية، خاصّة وأنّ التهمة الأكثر شيوعًا الموجّهة للأطفال هي رشق الحجارة على جنود الاحتلال.
وذكرت مجلة "تايم" الأميركية أنّ التقديرات تُشير إلى احتجاز 10 آلاف طفل فلسطيني في السجون العسكرية الإسرائيلية خلال السنوات الـ20 الماضية.
ونقلت المجلة عن "منظمة إنقاذ الطفولة" قولها إنّهم "الأطفال الوحيدون في العالم الذين يُحاكمون بشكل منهجي في المحاكم العسكرية".
وحتى 20 نوفمبر الماضي، اعتقلت القوات الإسرائيلية حوالي 880 طفلًا فلسطينيًا خلال عام 2023، وهي ممارسة أصبحت ممكنة بموجب القوانين العسكرية الإسرائيلية الصارمة.
وأشارت المجلة إلى أنّ أصغر طفل أطلقت السلطات الإسرائيلية سراحه خلال وقف إطلاق النار هو أحمد السلايمة (14 عامًا). واعتُقل السلايمة في مايو/ أيار الماضي بتهمة رشق الحجارة على مستوطنة إسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة.
وعند إطلاق سراحه، أمرت القوات الإسرائيلية عائلته بعدم الاحتفال بعودته، ولم يسمح له بمغادرة منزله ورفع أي لافتات. كما هدّدوه بإعادته إلى السجن إذا لم يلتزم بهذه القواعد.
وقال براد باركر، المحامي وكبير مستشاري السياسات في الحركة الدولية للدفاع عن الأطفال، للمجلة إنّ "إعادة اعتقال الأطفال المسجونين سابقًا أمر محتمل جدًا"، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل أعادت عام 2014، اعتقال العشرات من الفلسطينيين الذين أُطلق سراحهم خلال عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس عام 2011، بل وأعادت محاكمتهم.
وحذّر باركر من أنّه سواء شملتهم صفقة التبادل أم لا، يواجه العديد من الأطفال الفلسطينيين خطر إعادة اعتقالهم "لأنّهم مجرمون سابقون مع أحكام مع وقف التنفيذ، وتقييد حرية الحركة، وانخفاض فرص حصولهم على تصاريح سفر".
العيش في ظل القانون العسكري
ولطالما انتقدت جماعات حقوق الإنسان أساليب عمل القانون العسكري الإسرائيلي حيث إنّه يُطبّق بشكل انتقائي على الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، بينما يتمتع المستوطنون الإسرائيليون بحقوق متزايدة بموجب القانون المدني.
ونقلت المجلة عن "منظمة إنقاذ الطفولة" قولها إنّ 86% من الأطفال يتعرّضون للضرب في السجون الإسرائيلية، في حين يتعرّض 69% للتفتيش العاري، و42% للإصابات أثناء اعتقالهم.
في المقابل، يُمكن لنظرائهم في المستوطنات الإسرائيلية تلقّي مكالمة هاتفية أو الاستدعاء للاستجواب من قبل الشرطة، والذي يتم عادة في ساعات النهار بحضور أولياء الأمور أو الأوصياء في المخفر. كما من المرجّح أن يُفرج عن الأطفال الإسرائيليين بكفالة.
عام 2015، وجدت "هيومن رايتس ووتش" أنّ المحاكم العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية رفضت الإفراج بكفالة عن الأطفال الفلسطينيين في 72% من القضايا، بينما رفضت المحاكم المدنية الإفراج بكفالة عن نظرائهم الإسرائيليين في 17.9% من القضايا.
وشرح باركر: "بموجب القانون العسكري الإسرائيلي، يعتبر إلقاء الحجارة جريمة، كما يخوّل السلطات الإسرائيلية احتجاز ومحاكمة أي شخص يزيد عمره عن 12 عامًا في المحكمة العسكرية".
وأوضح أنّ "الأمر لا يتعلّق كثيرًا بالأطفال الذين يلقون الحجارة، بقدر ما يتعلق باستهداف الأطفال وقرى معينة لتسهيل الهدف النهائي للاحتلال، وهو السيطرة على السكان المدنيين".
الاعتقالات المؤلمة للأطفال
ونبّهت المجلة إلى أنّ العديد من الأطفال الفلسطينيين يُعتقلون خلال مداهمات ليلية، ويحتجز بعضهم رهن الاعتقال الإداري دون محاكمة أو حكم.
ويقول محامون من أجل حقوق الإنسان الفلسطيني إنّ هناك "عددًا لا يحصى من المخاوف الحقوقية الخطيرة" بشأن هذه الممارسات.
وشرح طارق شرورو مدير مؤسسة محامون من أجل حقوق الإنسان الفلسطيني للمجلة، أنّه خلال الاعتقالات الليلية المؤلمة ضد الأطفال في منزل أسرهم، يتمّ تقييد أيدي الأطفال بشكل مؤلم وتعصيب أعينهم ونقلهم إلى الاحتجاز عبر رميهم على أرضية مركبة عسكرية، حيث يتعرّضون للإيذاء الجسدي واللفظي من قبل الجنود الإسرائيليين".
وأكد أنّ هذه الانتهاكات الممنهجة تُشكّل انتهاكًا لاتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي صادقت عليها إسرائيل عام 1991.
أحمد مناصرة المثال الأكثر قسوة
ورأت المجلة أنّ المثال الأكثر قسوة وخطورة هو حالة أحمد مناصرة، الذي كان يبلغ من العمر 13 عامًا عندما تمّ اعتقاله بتهمة طعن مستوطنين إسرائيليين في القدس المحتلة عام 2015.
ورغم أنّ منظمة العفو الدولية أكدت أنّ المحاكم الإسرائيلية وجدت أنّ مناصرة لم يشارك في عمليات الطعن، إلا أنّه لا يزال يقضي حكمًا بالسجن لمدة تسع سنوات ونصف بتهمة الشروع في القتل.
ومنذ اعتقاله، أُصيب مناصرة بالفصام ومشاكل في الصحة العقلية، فضلًا عن ضعف البصر نتيجة احتجازه في زنزانة حبس انفرادي صغيرة لمدة 23 ساعة يوميًا.
سوء المعاملة أثناء الاحتجاز
وفي حين قال باركر إنّ قضية مناصرة هي حالة متطرّفة، إلا أنّه يؤكد أنّ سوء معاملة الاحتلال للأطفال الفلسطينيين الأسرى منتشر وموثق جيدًا.
وأشارت المجلة إلى مصدر قلق آخر يتمثّل في معدل الإدانة المرتفع بشكل غير متناسب في المحكمة العسكرية والذي يتجاوز 99%، وهو ما يعزوه شرورو إلى الاعترافات "التي يتمّ الحصول عليها قسرًا" أثناء الاستجواب، مشيرًا إلى أنّ الاستجواب يجري بدون وجود أحد الوالدين أو المستشار القانوني أو التسجيلات الصوتية والمرئية الرسمية، وبعدها يُمنح الطفل حق الوصول إلى محامٍ من خلال وسائل خاصة أو جمعيات خيرية.
من جهته، أوضح باركر: "هذه ليست محكمة عادلة. فإذا اعترض الأطفال على التهمة الموجّهة لهم، يُمكن احتجازهم إلى أجل غير مسمى حتى نهاية الإجراءات القانونية".
وقال باركر إنّ خدمة السجون يمكنها حرمان السجناء الأطفال من الوصول إلى الهاتف والزيارة.
وحول الظروف في السجن، أشار باركر إلى أنّ الأطفال يُحتجزون في زنزانات مكتظة تحتوي على سريرين أو ثلاثة أسرّة فقط.
وقال إنّ الأطفال السجناء لا يحظون بمنهج تعليمي مناسب، بل يتلقّون بعض الدروس التي لا تتوافق على الإطلاق مع السياسة والمناهج الدراسية"، مشيرًا إلى أنّه في كثير من الأحيان، قد يفشل الأطفال في إعادة الاندماج في المدارس ومع أسرهم، في حين يُعاني العديد منهم من اضطراب ما بعد الصدمة الناجم عن سوء المعاملة الخطيرة أثناء الاحتجاز.
ويعرّف شرورو سوء المعاملة هذا بأنّه "إساءة جسدية ونفسية وعاطفية"، حيث قال بعض الفلسطينيين الذين أفرج عنهم في إطار صفقة التبادل إنّهم تعرّضوا لعقاب جماعي عقب عملية "طوفان الأقصى".