فتح العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أسبوعين، باب النقاش واسعًا حول مسألة التحيّز الإعلامي الغربي الواضح والصريح لمصلحة إسرائيل على حساب فلسطين وشعبها.
فإلى جانب تبنّي الرواية الإسرائيلية وتبنّي ادعاءات مسؤولي الاحتلال، يُنظر إلى غزة وشعبها وما تتعرّض له من تدمير ممنهج على أنه مجرد "دفاع إسرائيلي عن النفس".
فلماذا يغمض الإعلام في الغرب عينه عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة وغيرها من مدن فلسطين؟ ولماذا يضع القتيل في صورة القاتل، والقاتل في صورة القتيل؟
وما هي أسباب ازدواجية المعايير لدى مؤسسات إعلامية وصحافية عريقة، لطالما تحدثت عن الاستقلالية والحياد والأخلاق المهنية؟
"شعارات تسقط عند أول امتحان"
في إطلالته من استديوهات "العربي" في لوسيل، يرى الأكاديمي والمستشار الإعلامي نواف التميمي أن الإعلام الغربي والبريطاني تحديدًا منحاز لليهود وإسرائيل منذ ما قبل وعد بلفور.
وفي ما يخص موقف الإعلام الغربي عقب عملية "طوفان الأقصى"، يقول: ما حدث الآن غير طبيعي وغير عادي وغير معتاد، كانت ردة الفعل غير طبيعية وغير عادية وغير معتادة.
ويوضح أن إسرائيل كانت المبادر للفعل - حتى عندما شنّت حروبها ضد العرب - بينما كان للجانب الفلسطيني دائمًا رد الفعل.
وبينما يضيف أن من يُهيئ للضربة الأولى يهيئ أيضًا للمعركة الإعلامية، فتكون الأمور جاهزة والمسرح الإعلامي مرسومًا، فيتصرف هذا الإعلام بنوع من الهدوء، يشير إلى أن الجميع فوجئ هذه المرة بما قامت به المقاومة الفلسطينية.
ويذكر التميمي أن الحيادية والاستقلالية والموضوعية في الإعلام الغربي، التي درسناها وندرّسها، شعارات تسقط عند أول امتحان، لا سيما لدى المؤسسات العريقة التي ندرّس عنها في مدارس الصحافة.
ويشير إلى أنه من الصعب جدًا لأي مؤسسة إعلامية أن تكون مستقلة، لا سيما مع ظهور الإعلام الجديد في السنوات الأخيرة، متحدثًا عن موارد التمويل التي أصبحت محدودة.
ويضيف: إنْ أرادت المؤسسة الاستمرار عليها البحث عن موارد تمويل، تكون في الغالب بأيدي شركات ومراكز قوى تجامل - إن لم نقل - تؤيد الرواية الإسرائيلية والكيان الإسرائيلي.
ويؤكد أن الماكينة الصهيونية، والمتمثلة باللوبي الصهيوني وأدوات الإعلام المنتشرة في العواصم الغربية، لا تعمل بمعزل عن أدوات أخرى خشنة.
ويردف بأن "هذه الأخيرة تتوجه نحو الأقلام والأصوات الصحافية والإعلاميين الذين لا يركبون قطار التمجيد والتأييد لإسرائيل"، مذكرًا بأشخاص واجهوا عمليات تشويه سمعة ولوحقوا إلى درجة الإقصاء وكيل الاتهامات لهم حتى اغتيالهم معنويًا.
"السفارات الإسرائيلية تحاول التأثير"
من ناحيته، يلفت مدير مجلة "أوريان إحدى وعشرون" ألان غريش إلى وجود درجة تفاوت بين بعض وسائل الإعلام التي تداولت أخبار غزة، حيث لم تكن كلها في الدرجة نفسها من المساندة لسردية إسرائيل.
ويقول عبر خدمة زووم من بلدة فاي لافينوز في فرنسا: "منذ حوالي 15 عامًا حصل تقارب بين دول أوروبية وإسرائيل، التي اعتُبرت حليفًا لا سيما في مواجهة "الإرهاب الإسلامي"، وهو أمر مهم وله ثقله".
ويعود إلى العام 1967، ليشير إلى أن أغلب القنوات كانت لصالح إسرائيل وداعمة لها، متحدثًا في المقابل عن تحوّل لاحق حيث بدأت السردية تتغير في بعض القنوات وصولًا إلى عام 1990، آخذة بعين الاعتبار القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين.
ويتحدث عن اندلاع الانتفاضة وحدوث الاجتياح الإسرائيلي للبنان، "حيث شعرنا بنوع من التغير في الخطاب"، وفق ما يقول.
لكنه يضيف: "للأسف عدنا الآن إلى الموقف السابق حيث يعتبر الكثير في فرنسا أنهم ضد التطرف الإسلامي، وأن الكثير من القنوات تدعم في هذه الظروف إسرائيل".
وبينما يلفت إلى أن القضية الفلسطينية حاضرة دائمًا بالنسبة للعالم العربي، يشير إلى أنها لا تعد في أوروبا محور الصحف والقنوات. ويردف أن الناس مع هجوم حماس على غلاف غزة "تساءلوا عن سبب حدوث ذلك، لأنهم لم يفهموا معاناة الفلسطينيين ولم يعيشوها بشكل يومي".
وغريش الذي يقول إنه "لا يحب مصطلح الحياد فما من أحد محايد والكل يفكر ويحلل حسب اعتقاداته"، يوضح أنه لا يعتبر نفسه مدافعًا عن القضية الفلسطينية بل عن القانون الدولي وهو ألا يعيش الفلسطينيون تحت الاحتلال. فبرأيه هذا أساس أخذ المواقف.
ويأسف "لأن هذا ما لم تفهمه وسائل الإعلام"، معربًا عن اعتقاده بأن "ما يلعب دورًا مهمًا هو موقف السلطات الفرنسية".
كما يلفت إلى أن السفارات الإسرائيلية في أوروبا تقوم بعملها، وهذا يعني أنها تحاول أن تؤثر على وسائل الإعلام.