الأحد 15 Sep / September 2024

انقلاب جديد في "بوركينا فاسو".. من يضع إفريقيا على صفيح الاضطرابات؟

انقلاب جديد في "بوركينا فاسو".. من يضع إفريقيا على صفيح الاضطرابات؟

شارك القصة

حلقة من برنامج "للخبر بقية" تناقش دلالات الانقلاب العسكري الجديد في بوركينا فاسو وخلفيات انتشار حمّى الانقلابات في إفريقيا (الصورة: غيتي)
لا تكاد إفريقيا تغفو على حكم حتى تصحو على آخر ولا تعرف أرضية للاستقرار الأمني أو السياسي بل تلازمها صفة الانقلابات العسكرية التي تنتشر كالعدوى في وسطها وغربها.

ثمانية أشهر كافية لقلب الحكم في بوركينا فاسو وتنفيذ انقلابين، فالانقلاب هناك أبسط وأسرع من جولة في مدينة، ولا يحتاج إلى أكثر من اعتقال الحاكم السابق والسيطرة على مبنى تلفزيون لإعلان إقالته، وإغلاق الحدود البرية والجوية وتعليق العمل بالدستور وحل الحكومة والمجلس التشريعي الانتقالي مع فرض حظر تجوال.

وتعيش واغادوغو الآن وقائع انقلابها الثاني في العام الجاري. ويقول العسكر المنقلبون في بوركينا فاسو إنهم بصدد إطلاق مشاورات لتعيين رئيس جديد للبلاد. وهي خطوة لا يُعرف إن كانت ستكتمل أم سينتظر قادة الانقلاب الجدد من يطيح بهم كأسلافهم. 

القارة "المضطربة"

وإذا كانت القارة الأوروبية توصف بالعجوز، فقد يصح تسمية القارة الإفريقية بالقارة "المضطربة". فهي قارة تكاد لا تغفو على حكم حتى تصحو على آخر ولا تعرف أرضية للاستقرار الأمني أو السياسي، بل تلازمها صفة الانقلابات العسكرية التي تنتشر كالعدوى في وسطها وغربها في دول حظيت باسم "حزام الانقلابات"، على غرار مالي وتشاد وغينيا بيساو وزيمبابواي وبوركينا فاسو التي تشهد انقلابها السادس خلال عامين.

وكأن قدر إفريقيا أو تقاليد الحكم فيها تنفيذ انقلاب لا تنفيذ الدستور.

وللانقلابات في الدول الإفريقية أسباب أعمق من ترهل دور الأحزاب المدنية وتوسع قدرات الجيش ليصل إلى سدة الرئاسة. انقلابات تعني قولًا واحدًا أن عليها طلبًا خارجيًا يسمح لها بالاستمرار في هذه الوتيرة المتسارعة، فخلف الكواليس دول كبرى متناحرة على موارد الدولة الإفريقية فتطيح إحداها بنظام الحكم العسكري لتزكي آخر موال لها، وتتحكم بعملية تبديل الرتب العسكرية، بدليل عدم رفض جهة ما الانقلاب الجديد، وميلها لشرعنته بغطاء "التفاوض" مع قادته. كل ذلك لأنه يمنحها نفوذًا أقوى ومنافع أكبر.

"صراع نفوذ فرنسي روسي"

وتعليقًا على انقلاب بوركينا فاسو الثاني خلال ثمانية أشهر، يشير الكاتب المتخصص في الشؤون الإفريقية إسماعيل ولد الشيخ سيديا إلى أن النقيب إبراهيم تراوري الذي أصبح الرئيس الجديد للمجلس العسكري قال في حديث نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي إنه لا مشكلة لديه مع  الكولونيل بول هنري سانداوغو داميبا، ولا يريد اعتقاله ولا يريد لجنوده أن يتناحروا مع إخوتهم وزملائهم. ولمّح إلى أن سلاح الجو تم التغرير به، ويتهم داميبا باللجوء إلى قاعدة عسكرية لقوة فرنسية خاصة، رغم نفي وزارة الخارجية الفرنسية لذلك. 

وعبّر ولد الشيخ سيديا في حديث إلى "العربي" من نواكشوط عن اعتقاده "بأن الانقلاب دبر بليل وحسم"، وأن القادة الجدد من الضباط الأعوان، وهؤلاء الضباط تاريخيًا هم الذين سيطروا على الحكم حتى الآن في الستين سنة الماضية. وقد أطاحت ثورة بهم ثم أطيح بها بسبب الواقع الأمني.

وقال ولد الشيخ سيديا: "هناك مليونا مهاجر من شمال بوركينا فاسو بسبب الوضع الأمني، فهي ملتقى لتنظيم الدولة وتنظيم القاعدة وحلفائهما". ولفت إلى وجود صراع نفوذ فرنسي روسي "مسكوت عنه" في البلاد.

"نحو 180 حالة انقلابية"

وحول خلفية تركز الحالة الانقلابية في إفريقيا، رأى الصحافي فهد العنيسي أن إفريقيا أصبحت مسرحًا للانقلابات، حيث شهدت جميع دول القارة مجتمعة منذ استقلالها نحو 180 حالة انقلابية، حدث أكثر من عشرة منها في آخر سنتين. وقال: "إن الأيادي الخفية والخارجية لها دور كبير"، معتبرًا أن بعض الدول الإفريقية تتآمر على دول القارة نفسها. 

وانتقد العنيسي في حديث إلى "العربي" من أديس أبابا غياب دور الاتحاد الإفريقي وتغافل القوى الدولية عن تطبيق القوانين.

وأضاف: "إن الجيوش الإفريقية التي اعتادت على الانقلابات تستسهل الأمر"، مؤكدًا أن "على الشعوب الإفريقية أن تعي خطورة ذلك".

وشدد على أن مثل هذه التحركات لا تفيد القارة إطلاقًا التي هي "المتضرر الأول". 

صراع مصالح قوى الهيمنة 

من جهته، انتقد الأكاديمي والكاتب السياسي صلاح القادري تعامل المجتمع الدولي، أي القوة المهيمنة على العالم والتي تدير الأمور وفق مصالحها مع الانقلابات. ورأى أن هذه القوى تتمثل بالولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية التي تدور في فلكها إضافة إلى روسيا والصين. 

وقال القادري من باريس: "إن هذه الدول لا تتعامل مع الدول الإفريقية على أساس أنها دول مكتملة الصفة، بل على أنها دول تخضع للاستعمار الجديد،  فما حصل ليس استقلالًا بل جلاء عسكريًا مقنعًا"، مشيرًا إلى انتشار مئات القواعد العسكرية والأمنية والاستخباراتية في إفريقيا.   

ووصف القادري النخب السياسية الإفريقية بـ"النخب العميلة" لقوى الهيمنة، حيث تستعمل هذه القوى النخب لتحقيق مصالحها. ولفت إلى غياب أي تنمية اقتصادية في القارة في ظل استمرار قوى الهيمنة بالاستيلاء على ثروات الشعوب. 

كما اعتبر القادري أن الانقلابات العسكرية هي الطريقة التي تتبعها قوى الهيمنة من أجل الاستمرار في سيطرتها على إفريقيا. وأشار إلى صراع قائم بين تركيا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا على تقاسم النفوذ في القارة.

تابع القراءة
المصادر:
العربي