الأربعاء 11 Sep / September 2024

"كوكتيل متفجّر".. ستة انقلابات شهدتها دول إفريقية في 18 شهرًا

"كوكتيل متفجّر".. ستة انقلابات شهدتها دول إفريقية في 18 شهرًا

شارك القصة

تقرير يرصد التطوّرات السياسية التي شهدها السودان عام 2021 والتي أدت إلى انقلاب أكتوبر (الصورة: غيتي)
أثار تجدّد الانقلابات في القارة السمراء قلق القادة المدنيين هناك، حيث تبرز تحذيرات من أنه إذا لم تتمّ معاقبة مدبّري الانقلاب، فسيكون هناك المزيد منها.

انضمت بوركينا فاسو هذا الأسبوع إلى قائمة البلدان الإفريقية التي شهدت عمليات انقلاب عسكرية خلال الأشهر الـ18 الماضية.

وفي مشاهد مماثلة، أطاح قادة عسكريون بحكومات مالي وتشاد وغينيا والسودان والآن بوركينا فاسو. ودعا قادة دول غرب إفريقيا، الجمعة، إلى قمة طارئة حول الوضع في بوركينا فاسو، حيث أبلغ القائد العسكري الجديد المقدم بول هنري داميبا الأمة في أول خطاب عام له مساء الخميس أنه سيعيد البلاد إلى النظام الدستوري " عندما تكون الظروف مناسبة".

وأثار تجدّد الانقلابات في القارة السمراء قلق القادة المدنيين المتبقين في المنطقة. وقالت رئيسة غانا نانا أكوفو أدو، الجمعة: "إنها (الانقلابات) تمثّل تهديدًا للسلام والأمن والاستقرار في غرب إفريقيا".

وفي إفريقيا، يعيش أكثر من 114 مليون شخص، يحكمهم الآن جنود استولوا على السلطة بشكل غير قانوني. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأمر بأنه "وباء الانقلابات".

انقلابات "معدية"

عندما سقطت الحكومة المالية، حذّر مُحلّلون من أن بوركينا فاسو يمكن أن تحذو حذوها. والآن بعد أن حدث ذلك، فإن المحلّلين، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، يحذّرون من أنه إذا لم تتمّ معاقبة مدبّري الانقلاب، فسيكون هناك المزيد من الانقلابات في المنطقة.

وعزا عبد الزانيا ساليفو، الباحث في جامعة كالغاري الكندية، هذه الانقلابات إلى الأداء السيئ للحكومات. فالشعب سئم من حكوماته لأسباب عديدة: تهديدات أمنية كبيرة، وكوارث إنسانية، وغياب الأفق أمام ملايين الشباب.

وتُصارع دول الساحل الثلاث التي شهدت انقلابات حديثة: مالي وبوركينا فاسو وتشاد، حركات التمرّد التي تستمرّ في الانتشار، مستفيدة من التوترات المحلية.

وأكدت الصحيفة أن انقلاب مالي حدث جزئيًا بسبب فشل الحكومة في وقف انتشار الجماعات المتحالفة مع تنظيمي "القاعدة" و"الدولة". وفي بوركينا فاسو، اعتُبر هجوم نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الذي أودى بحياة حوالي 50 من ضباط الشرطة العسكرية، حدثًا رئيسًا أدى إلى الانقلاب بعد شهرين.

ونزح ملايين الأشخاص في جميع أنحاء منطقة الساحل ومات الآلاف، بينما لا يُبدي السياسيون أي اهتمام بالأمر، فهم يقودون سيارات فاخرة ويرسلون أطفالهم إلى مدارس أجنبية باهظة الثمن.

واعتبرت الصحيفة أنه "كوكتيل متفجّر".

الشعوب.. بين التأييد والرفض

ورغم ذلك، لا تؤيد كل الشعوب هذه الانقلابات. ووفقًا لمحللين وتقارير إخبارية محلية، فإن الحكام العسكريين في مالي يتمتعون الآن بتأييد ساحق.

فرضت الكتلة الاقتصادية الإقليمية (إيكواس) عقوبات كانت تهدف جزئيًا إلى قلب الماليين ضد المجلس العسكري، من خلال الضغط على القادة العسكريين للالتزام بجدول زمني سريع للانتخابات.

لكن أورنيلا موديران، رئيسة برنامج الساحل في معهد الدراسات الأمنية ومقره بريتوريا بجنوب إفريقيا، قالت: "ما حدث هو عكس ذلك تمامًا. أثارت العقوبات الغضب ضد الإيكواس وليس المجلس العسكري".

في غينيا، رحّب البعض في البداية بزعيم الانقلاب باعتباره "محررًا"، لكن كثيرين التزموا المنازل خوفًا على مستقبلهم.

وفي بوركينا فاسو، البلد الذي شهد الكثير من الانقلابات، كان هناك عدد محدود من المسيرات المؤيدة للانقلاب في اليوم التالي، لكن الكثير من الناس ذهبوا للعمل كالمعتاد.

وقال أناتول كومباوري، أحد العملاء في سوق الهواتف المحمولة في واغادوغو، في الساعات الأولى من الانقلاب: "كل من يتولّى السلطة الآن، عليه أن يحذو حذو مالي أي رفض فرنسا، والبدء في اتخاذ قراراتنا الخاصة".

لكن المشاعر المؤيدة للجيش لا تمتد إلى السودان، الذي يشهد مظاهرات حاشدة بشكل شبه يومي منذ انقلاب أكتوبر/ تشرين الأول.

قوة الجيوش

ورأت الصحيفة أن القوات المسلحة في مالي وبوركينا فاسو تتمتّع بسيطرة قليلة أو معدومة على مناطق شاسعة من أراضيها، وتعتمد بشدة على الميليشيا، وسجلات مشكوك فيها حول حقوق الإنسان.

ويعتبر جيش تشاد من أقوى القوات في القارة، لكنه فشل في وقف الهجمات المميتة التي تشنّها جماعة "بوكو حرام" وجماعتها المنشقّة "ولاية غرب إفريقيا الإسلامية"، وهي حركة تمرد عمرها الآن عقد من الزمن. كما لم يستطع الجيش منع الرئيس التشادي إدريس ديبي، وهو جنرال متقاعد، من التعرّض للقتل في ساحة المعركة بينما حاول المتمرّدون الإطاحة بحكومته.

ومن المفارقات أن ضعف القوات المسلحة في بوركينا فاسو كان عاملًا رئيسًا في الانقلاب. فعقب هجوم نوفمبر، شعر كل من الجيش والشعب بالغضب لأن ضباطهم لم يكونوا مجهّزين أو مدرّبين بشكل جيد لمقاومة مثل هذا الهجوم.

وقالت آنا شماودر، الباحثة في شؤون منطقة الساحل في مركز الأبحاث الهولندي "كلينجينديل"، إن استيلاء الجيش على السلطة لا يؤدي بالضرورة إلى استجابة أكثر فعالية ضد التمرد، والهجمات المستمرة في مالي دليل على ذلك.

وأضافت: "القوى العسكرية موجودة لتبقى، وتفعل كل شيء لتدعيم قوتها".

المجتمع المدني.. تنديد ورفض

وأصدرت القوى الإقليمية والدولية بيانات رافضة ومندّدة بهذه الانقلابات.

وعلّق الاتحاد الأفريقي عضوية مالي وغينيا والسودان، لكنه استثنى تشاد، مما "أثار جدلًا حول ازدواجية المعايير"، وفقًا للصحيفة التي قالت إنه "بالنسبة للبعض، كان هذا دليلًا على أن الاتحاد الأفريقي أصبح أكثر بقليل من نادي ديكتاتوريين ضعيف ومنحازين".

وبعد الانقلاب في بوركينا فاسو، أصدرت الكتلة الاقتصادية لغرب إفريقيا "إيكواس" بيانًا قالت فيه إن مثل هذه الخطوة "لا يمكن التسامح معها"، وأمرت الجنود بالعودة إلى ثكناتهم. لكن لم يكن من الواضح ما الذي يُمكن أن تفعله المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بالنظر إلى سجلها المريب في التوسط في مالي.

بدوره، لم يكن موقف القوى الغربية أفضل بكثير، حيث أيدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا العقوبات على مالي، لكن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، منعت روسيا والصين إصدار بيان يدعمها.

وتُصرّ القوى الدولية على أن الحكّام العسكريين يجب أن يُجروا انتخابات سريعة. لكن هذا المطلب يُثير غضب بعض الناس الذين يعتقدون أن الجيش يعمل لمصلحة الدولة.

وقالت موديران: "هناك فكرة مفادها أن الانتخابات السيئة أسوأ من عدم وجود انتخابات على الإطلاق. يجب أن نتعامل بالفعل مع النظام السياسي الذي لا يعمل".

بدوره، قال ساليفو إن هذه مشكلة في كل مكان يشعلها الغرب بالتمسّك بجدول زمني انتخابي صارم، بينما يتجاهل أو يقلّل من أهمية العناصر الأخرى للديمقراطية، مثل الصحافة الحرة، والتحرّر من القمع السياسي أو حقوق الإنسان.

تابع القراءة
المصادر:
العربي - وكالات
Close