قبل عام تقريبًا، هددت الحرب في أوكرانيا أمن الطاقة لأوروبا، فتسارع زعماء الاتحاد للاجتماع مرارًا بحثًا عن حلول لأزمة الشتاء بعد أن خفّضت روسيا 80% من غازها المتوجه إلى القارة العجوز في غضون 8 أشهر فقط.
وما إن دخلت الحرب الأوكرانية عامها الثاني واقترب الشتاء من نهايته، حتى خرج المستشار الألماني أولاف شولتس ليقول إن بلاده نجحت في الاستقلال عن إمدادات الطاقة الروسية دون أزمة اقتصادية.
وأشار شولتس إلى أنه بالرغم من مخاوف بلاده أسوة بالدول الأوروبية الأخرى قبل عام من الشتاء بسبب السيناريو المرعب بنقص الطاقة، إلا أنه فخور بالنجاة اقتصاديًا بسهولة غير متوقعة من وضع طارئ.
"لم يحن الوقت"
النجاة لم تحظَ بها ألمانيا فقط، بل شملت دولًا أوروبية أخرى كما تؤكد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين، التي قالت إن دول الاتحاد تخلصت فعلًا من الاعتماد على إمدادات الغاز الروسي.
وبدت فون دير لايين أكثر ثقة بالانفكاك عن الغاز الروسي بقولها إن اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية أصبح من الماضي، وعللت النجاح بفعل ما وصفته بـ"العمل الجاد والمشترك ومساعدة الولايات المتحدة والنرويج ودول أخرى عبر توليد الغاز المسال والعابر للأنابيب".
ولكن، ثمة سبب إضافي للثقة الأوروبية المتزايدة يتمثّل في بلوغ مخزونات الغاز في دول الاتحاد ومعها المملكة المتحدة رقمًا قياسيًا، حيث امتلأ التخزين بنسبة 61% وفق البيانات الأوروبية.
تغير في مشهد الطاقة العالمي.. #روسيا تزيد صادراتها إلى #الصين وارتفاع الإمدادات الأميركية إلى أوروبا تقرير: علي الرواشدة pic.twitter.com/YJC625bYde
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) January 2, 2023
في المقابل، يرى الخبراء أنه لم يحن الوقت بعد للاحتفال بانتهاء أزمة الطاقة، حيث سيظل العالم يعاني من نقص إمدادات الغاز الطبيعي حتى عام 2026، في ظل استمرار توقف ضخ الغاز الطبيعي الروسي لأوروبا، في حين لا توجد مشاريع جديدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال يمكن أن تدخل الخدمة قريبًا، ناهيك عن كلفة بيئية على أوروبا نتيجة الزيادة في استخدام الفحم وإعادة فتح المناجم.
كما أن تعزيز التوجه نحو الطاقة النظيفة والبديلة يحتاج إلى جهد تراكمي، ويشكل خطرًا لشركات النفط الأوروبية، التي تهدد بالانتقال إلى الولايات المتحدة بسبب الطاقة البديلة.
مبالغة ألمانية؟
في هذا السياق، يعتبر خبير اقتصادات النفط والطاقة ممدوح سلامة أن "شولتس بالغ بشكل كبير حول نجاح حكومته في وقف الاعتماد على إمدادات الغاز الروسي".
ويشير سلامة، في حديث إلى "العربي" من لندن، إلى أن "ألمانيا نجحت العام الماضي في تعبئة خزانات الغاز الخاصة بها، لكن ما يجب تذكّره هو أن موسكو تركت إمداداتها لأوروبا حتى منتصف العام الماضي، عند تدمير نوردستريم 1".
ويلفت الخبير النفطي إلى أن "النجاح الحقيقي سنراه في الشتاء المقبل، عندما تسعى ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي لتعبئة خزاناتها من جديد، في ظل غياب الغاز الروسي".
ويقول: "منذ ستينيات القرن الماضي، بُنيت اقتصادات ألمانيا والاتحاد الأوروبي على إمدادات الغاز الروسي الرخيصة والمستدامة".
ويضيف: "ألمانيا دفعت العام الماضي ما يزيد عن مليار دولار ثمن الغاز المسال الأميركي، الذي باعته لبرلين بسعر أغلى بأربع مرات عن سعره في الداخل الأميركي".
ويرى سلامة أن "اقتصاد ألمانيا وأوروبا لا يستطيع تحمل أسعار الغاز الأميركي لفترات طويلة، وصادرات الولايات المتحدة وقطر والنرويج والجزائر لا تستطيع أن تحل مكان صادرات الغاز الروسي وحاجة العالم إليها".