في كامب ديفيد بولاية ميريلاند الأميركية، وتحت أنظار الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، رسّخ الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن "اتفاقا تاريخيا" سمح لأكثر من أربعين عامًا من السلام بين إسرائيل ومصر.
لقد خاضت مصر أربعة حروب كبرى ضد إسرائيل، كان آخرها عام 1973. ثم خاض السادات محادثات مع إسرائيل انتهت باتفاقيات كامب ديفيد في سبتمبر/ أيلول عام 1978 ومعاهدة السلام في العام التالي.
وبموجب تلك المعاهدة، وافقت إسرائيل على الانسحاب من سيناء، التي ستتركها مصر منزوعة السلاح. وتم السماح للسفن الإسرائيلية بالمرور عبر قناة السويس، وهي طريق تجاري رئيسي. وأقام الطرفان علاقات دبلوماسية كاملة في أول اتفاقية سلام تبرمها إسرائيل مع دولة عربية.
اجتياح رفح يهدد السلام
وقد صمد ذلك الاتفاق خلال انتفاضتين فلسطينيتين وسلسلة من الحروب الإسرائيلية على غزة. لكن تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإرسال قوات إسرائيلية إلى رفح جنوبي القطاع دفع الحكومة المصرية للتهديد بإبطال معاهدة السلام.
وقال مسؤولان مصريان ودبلوماسي غربي لوكالة "أسوشيتد برس" يوم الأحد: "إن مصر قد تعلق معاهدة السلام إذا غزت القوات الإسرائيلية رفح".
ويقول نتنياهو: "إن رفح هي المعقل الأخير المتبقي لحماس بعد أكثر من أربعة أشهر من الحرب، وإن إرسال قوات برية ضروري لهزيمة الحركة"، حسب زعمه.
مصر تعارض اجتياح رفح
لكن مصر تعارض أي خطوة من شأنها أن تدفع الفلسطينيين إلى الفرار عبر الحدود إلى أراضيها. وتعتبر معبر رفح أيضًا نقطة الدخول الرئيسية للمساعدات الإنسانية إلى المنطقة المحاصرة، وقد يؤدي أي هجوم إسرائيلي إلى خنق توصيل الإمدادات الرئيسية.
وتضخم عدد سكان رفح من 280 ألف نسمة إلى ما يقدر بنحو 1.4 مليون نسمة مع فرار الفلسطينيين من القصف في أماكن أخرى في غزة. ويعيش مئات الآلاف من هؤلاء النازحين في مخيمات مترامية الأطراف.
وأمر نتنياهو الجيش بإعداد خطة لإجلاء جميع المدنيين الفلسطينيين قبل بدء الهجوم. لكن من غير الواضح إلى أين سيذهبون.
وقال نتنياهو يوم الأحد إنهم سيكونون قادرين على العودة إلى مناطق أقصى الشمال. لكن تلك المناطق تعرضت لأضرار بالغة بسبب الهجوم الإسرائيلي.
تداعيات إبطال معاهدة السلام
وتحد المعاهدة بشكل كبير من عدد القوات على جانبي الحدود. وهو ما سمح لإسرائيل بتركيز جيشها على تهديدات أخرى.
لكن إلغاء مصر للاتفاق، قد يعني أن إسرائيل لم تعد قادرة على الاعتماد على حدودها الجنوبية كواحة للهدوء. ولا شك أن تعزيز القوات على طول حدودها مع مصر سيشكل تحديًا للجيش الإسرائيلي المنتشر بالفعل، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
لكن ذلك ستكون له تداعيات خطيرة على مصر التي تلقت مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأميركية منذ إبرام اتفاق السلام. كما أن التعزيز العسكري الضخم من شأنه أن يجهد الاقتصاد المصري المتعثر بالفعل.