منذ دخول حركة طالبان العاصمة الأفغانية كابل، بدأ التساؤل بشأن اليوم التالي الذي يلي إحكام سيطرة الحركة على السلطة في البلاد، يلح لا على الأفغان القلقين على مستقبل بلادهم فحسب، بل وعلى قادة طالبان الذين يحاولون تكريس صورة مختلفة عما تختزن ذاكرة الجميع عن أيام حكمهم السابق للبلاد قبل 20 عامًا.
فبعد تسلم العاصمة دون إراقة الدماء، انطلقت مشاورات مع وجوه سياسية في الحكومات السابقة بقيادة أنس حقاني القيادي البارز في الحركة، بشأن شكل النظام السياسي، وطريق تدبير السلطة في المرحلة المقبلة.
ولم تستقر تلك المشاورات على نتيجة، لكنها تضع الأفغان مجددًا أمام السؤال الصعب الذي أشعل حروبًا في بلادهم: "كيف تُحكم أفغانستان؟".
فقبل 20 عامًا لم تتمرس طالبان في شيء أكثر من احترافها القتال، لكنها بعد ذلك اختبرت المفاوضات والمناورة، ثم عادت مرة أخرى إلى كابل، لتختبر الأصعب: "حكم أفغانستان".
وتحسب طالبان خطوات الحركة بحذر شديد، وتخاطب العالم بمنطق الدولة لا الحركة وبشيء من الواقعية السياسية ذات الطابع الديني.
ويقول الرئيس السابق حامد كرزاي إنه التقى قادة حركة طالبان للتشاور بمعية رئيس المجلس الأعلى للمصالحة عبد الله عبد الله، وقائد الجهاد الأفغاني قلب الدين حكمتيار، وكان من يفاوضهم أنس حقاني القائد المتصلب المواقف في طالبان.
وفي العاصمة هناك انطباع بأن الحركة راغبة في تسوية تنتهي بشراكة في السلطة لكن دون قسمتها. فهل ستقبل طالبان التعددية؟ وهل ستنجح في صياغة نظام سياسي يلقى قبولًا في الداخل والخارج؟
طالبان تطمئن الجميع
وحول تصريح كرزاي إزاء لقاءه بالحركة، يقول الناطق باسم المكتب السياسي لحركة طالبان محمد نعيم: "إنه لا توجد مشاورات رسمية جارية أو ترتيبًا أو مسارًا سياسيًا معينًا حتى الآن"، مشيرًا إلى أن هناك بعض الزيارات المتفرقة للاطمئنان على الوضع الأمني لبعض الشخصيات.
ويضيف في حديث لـ "العربي" من الدوحة أن الأمن والأمان من أهم مكتسبات الحركة، مشيرًا إلى المناطق التي انضمت للحركة بهدف الحصول على الأمن دون أن يقع أي حادث يُذكر خلال مدة قصيرة.
ويلفت نعيم إلى أن الحركة تطمئن جميع الموظفين في الإدارة السابقة سواء كانوا عسكريين أو إداريين أم مدنيين، بأن طالبان ستقوم بترتيبات بشأنهم، وبأن الجميع سيكون له فرصة لخدمة الشعب والبلاد، مشيرًا إلى أن البلاد ستستفيد من خبراتهم وقدراتهم في المستقبل.
نظام تشاركي يعكس تطلبات الشعب
من جانبه، يرى الزميل في المجلس الأطلسي عمر صمد أنه من المهم ضمان استقرار أفغانستان وأمنها وهذا ما وعدت به طالبان الشعب الأفغاني، ويعتقد أن "إشراك زعماء سياسيين آخرين من مكونات وأجزاء مختلفة من البلاد في الحوارات مبادرة إيجابية من قبل الحركة لأن البلد متنوع ومر بتغيرات كثيرة على مدار 20 عامًا".
ويضيف في حديثه مع "العربي" من واشنطن، أن الشعب الأفغاني يتوقع أن يتاح له نظام تشاركي يخضع للمشاورات ويستمع فيه إلى الناس وإلى الزعماء وإلى الأعيان لتمضي البلاد قدمًا، ويأمل بعد كل هذه السنوات أن تتطلع الحركة لنظام سياسي تشاركي يعكس تطلعات الشعب الأفغاني.
ويلفت صمد إلى أن الحكومة السابقة في هذه المرحلة دخلت في "غيبوبة"، لكن الزعماء السياسيين يجب أن يتحركوا بسرعة من أجل ضمان الانتقال لفترة انتقالية يمكن من خلالها طمأنة الشعب الأفغاني على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وطمأنة المجتمع الدولي بشأن المرحلة القادمة في البلاد.
ويشير إلى أن الكثير من السياسيين تركوا البلاد، وأن البعض الآخر ربما يود العودة والبعض قد لا يود ذلك، لكن المهم أن هناك نظامًا في البلاد، وأن هناك الآلاف من الموظفين الحكوميين والخبراء المتعلمين والمثقفين، ولا ينبغي على طالبان طمأنتهم من ناحية تهيئة الأجواء لعملهم فحسب ولكن أيضًا يتعين عليها وضع آلية الحكومة موضع العمل مرة أخرى.
انتقال سلمي للسلطة
من جهته، يرى مدير مركز دراسة النزاع والعمل الإنساني سلطان بركات أن الحوار الذي يجري الآن هو امتداد لمحادثات الدوحة، ولولا تسارع الأمور في الأيام الماضية مع مغادرة الرئيس الأفغاني البلاد، لكان هذا الحوار تم في الدوحة.
ويوضح بركات من الدوحة، أنه منذ أسابيع والحركة والأطراف الأخرى متفقون على فكرة انتقال السلطة السلمي، ويعتقد أن هذه الخطوة جيدة لحقن الدماء، وتأمين الأمن والاستقرار.
ويشير بركات إلى أن المرحلة القادمة تعتمد على قدرة الحركة على تفصيل سياستها لا سيما إدخال الأطراف السياسية الأخرى، لافتًا إلى أن الحركة لا تؤمن بالديمقراطية كما هي معرفة في الغرب.
ويعتقد أن التحدي الأساسي الذي يواجه المجتمع الدولي هو مدى استعدادهم وانتظارهم ومراقبتهم حركة طالبان من ناحية نشاطها.
ويرى أن على حركة طالبان المحافظة على مؤسسات الدولة في المرحلة الانتقالية وعلى المجتمع الدولي أن يفتح علاقات مع الحركة.