شهد شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي طرح دول عربية عدة مناقصات جديدة لشراء قمح تبلغ أسعاره أعلى مستوياتها منذ عام 2008.
ولمواجهة تحدي تكاليف الحبوب الإستراتيجية، قرر المغرب تعليق رسوم واردات القمح اللين والصلب اعتبارًا من اليوم الثلاثاء، بينما توجهت مصر إلى لاتفيا لاعتمادها مركزًا جديدًا للاستيراد.
مناقصات جديدة
وأماط الشهر الماضي اللثام مجددًا عن نشاط عربي محموم في صفقات شراء القمح، في المنطقة التي اشتهرت تاريخيًا بزراعة هذه الحبوب.
وطرحت السعودية قبل توديعها لشهر أكتوبر بقليل مناقصة لشراء 655 ألف طن من القمح الصلب ليصلها تباعًا في الثلث الأول من العام المقبل، حيث اشترطت أن تحتوي هذه الحبوب على بروتين بنسبة تزيد عن 12%.
أما مصر المستورد الأكبر عالميًا فاشترت 360 ألف طن من القمح عبر مناقصة دولية نصفها من روسيا والباقي من أوكرانيا ورومانيا، حيث قررت القاهرة إيفاد خبرائها إلى لاتفيا لتدشين نافذة جديدة يمكن الاعتماد عليها مستقبلًا لشراء القمح.
إجراءات مغربية
وبلغت أسعار عقود الحبوب في بورصة يورونكست نحو 330 دولارًا، وهو الأمر الذي دفع المغرب إلى اتخاذ خطوة احتوائية بتجميد الرسوم الجمركية على القمح اللين والصلب اعتبارًا من هذا الشهر، في قرار يرمي إلى "ضمان استقرار المعروض والأسعار".
أما في الأردن، البلد الذي يعاني شحًا في المياه وتداعيات التغير المناخي، فقد أغلق صفقة شراء 60 ألف طن من القمح الصلب لتصل البلاد في يناير/ كانون الثاني المقبل، لكن عمّان اضطرت إلى دفع مبلغ 365 دولارًا نظير الطن الواحد شاملة تكاليف الشحن.
وتخضع أسعار القمح اليوم إلى ظروف المناخ والمزاج المتقلب، كما تخضع لسياسات الدول وإستراتيجياتها الزراعية.
مصر على رأس الدول المستهلكة
وفي هذا الإطار، يرى المحلل الاقتصادي عبد الرحيم الهور في حديث إلى "العربي" من الدوحة، أن هناك ضرورة للعودة إلى خارطة القمح في العالم لإدراك الأثر على البلدان العربية.
ويقول: إنّ أكبر البلدان المصدرة للقمح في العالم هي الولايات المتحدة وكندا وروسيا، فيما تأتي مصر على رأس قائمة البلدان المستهلكة، بالإضافة إلى باقي الدول العربية الأخرى.
ويضيف أنّ أسعار القمح لا تتأثر فقط بالمعروض والمطلوب، إنما بعوامل أخرى لها علاقة بزيادة الطلب المرتبطة بالإنتاج.
ثبات الطلب العالمي
ويبين أن توقعات هذه السنة تشير إلى تراجع الإنتاج في روسيا بين 5 و15%، بالإضافة إلى تراجع إنتاج المناطق الشمالية للولايات المتحدة بين 7.5 و10% وتراجع إنتاج كندا كذلك من 5 إلى 7%.
ويرى أن تراجع متوسط الإنتاج لا يتزامن مع تراجع في الطلب، في ظل الثبات على الإقبال على القمح، لذلك "سيؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير جدًا في الأسعار يضر بقدرة الدول على توفير هذه المادة الأساسية".
ويشير إلى التأثير السلبي للتغير المناخي على صادرات القمح، حيث يتوقع أن يكون هناك تراجع في الإنتاج بنسبة 10 إلى 15% على المستوى العالمي.
خيارات الدول العربية
ويلفت المحلل الاقتصادي في حديثه إلى "العربي"، إلى أن لدى البلدان العربية خيارات "إما رفع الدعم أو التحول إلى منتجات أخرى مثل زراعة الذرة والصويا أو زيادة الإنتاج المحلي أو الاستثمار التبادلي".
ويشير في مسألة الاستثمار التبادلي إلى السودان الذي يمتلك أراضي زراعية، لكن لديه إمكانيات قليلة في التطور الزراعي.
وينبه إلى أن الاستمرار في هذا الوضع "يشكل خطورة كبيرة في المستقبل" في مسألة توفير القمح.
ويعتبر أن مسألة "تثبيت الدعم في جميع البلدان العربية في ظل ارتفاع الطلب وانخفاض الإنتاج سيؤدي إلى زيادة الأسعار"، لذلك فهو يرى أنه في هذه الحالة "حتى الدعم لن يكفي".
ويؤكد على ضرورة أن تعمل البلدان العربية على تطوير منظومة داخلية وأخرى للتبادل الخارجي تقوم على الاستثمارات التبادلية بين البلدان لمواجهة النقص في القمح وارتفاع أسعاره العالمية.