رغم حالة الانقسام في الشارع المغربي، صادقت الحكومة المغربية أخيرًا على قانون تقنين زراعة واستخدام القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية، في خطوة أتت لقطع الطريق أمام "كارتل" تهريب المخدرات.
ويجني أباطرة هذا "الكارتل" ما يقارب 15 مليار دولار سنويًا في عمليات زراعة وترويج غير قانونية، ورّطت أكثر من 30 ألف مزارع مغربي، وهم الحلقة الأضعف، في متابعات قضائية، وهم يطالبون بعفو ملكي بعد صدور أحكام بحقهم.
وقد عبّر صغار المزارعين خلال وقفات احتجاجية أعقبت التصديق على القانون عن تخوفهم من تحولهم إلى مجرد أدوات للإنتاج بيد شركات تحويل القنب الهندي، في سيناريو مكرر لهيمنة واحتكار "كارتل" شبكات تهريب المخدرات.
منافع اقتصادية سيجنيها المغرب
ويشهد المغرب الذي يُعَدّ أكبر منتج للقنب الهندي في العالم سجالًا حادًا انتقل إلى أروقة الحكومة والبرلمان بين تيّار يرفض تقنين القنب الهندي تحت أيّ مبرّر، في مواجهة تيّار آخر يدافع عن المنافع الاقتصادية التي سيجنيها المغرب عبر التطلّع لجلب استثمارات أجنبية تُخرِج ملايين المغاربة من دائرة الفقر، وتنتشلهم من شبكات المخدرات.
وفي هذا السياق، تعتبر وزارة الداخلية المغربية أن تقنين زراعة القنب الهندي سيحسن الظروف المعيشية للمزارعين ويحميهم من شبكات تهريب المخدرات غير المشروعة. وتشير إلى تحويل مزارع القنب غير المشروعة إلى "أنشطة قانونية ودائمة توفر فرص عمل".
قيادات في الحزب الحاكم تهدد بالاستقالة
إلا انّ بوادر أزمة سياسية في المغرب ظهرت على ضوء تقنين القنب الهندي؛ إذ إنّ قيادات بارزة في حزب العدالة والتنمية الحاكم هددت بالاستقالة في حال تمرير القانون.
من جهته، أعلن رئيس الحكومة المغربية الأسبق عبد الإله بن كيران تجميد عضويته في الحزب وقطع علاقته برئيس الوزراء سعد الدين العثماني.
هل تقنين القنّب الهندي في #المغرب دعامة اقتصادية أم دمار اجتماعي؟#جدل pic.twitter.com/ACUhwLBR1m
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 16, 2021
المطلوب مشاريع تنموية حقيقية في المغرب
ويعتبر الكاتب والباحث السياسي بلال التليدي أنّ النقاش حول هذا الموضوع قديم، مشيرًا إلى أنّ أول من اجترحه هو حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2015، حيث كان يتزامن هذا النقاش دائمًا مع فترة ما قبل الانتخابات.
ويلفت التليدي، في حديث إلى "العربي"، إلى أنّ هذا الموضوع جدلي في العالم، "والتجارب الدولية تقدم معطيات تجعلنا في حاجة للكثير من التريث والتفكير بالمصلحة الوطنية".
ويشدّد على أنّ المَخرَج للأزمات الاقتصادية والاجتماعية ليس بالضرورة هو القنب الهندي، "بل المطلوب مشاريع تنموية حقيقية يمكن أن تنهض بهذه المناطق".
أما التعويل على هذه الورقة الجدلية التي يمكن أن يكون لها بعض النفع، فيمكن أن يتسبب بكوارث ستفتح المنطقة على مجهول، بحسب ما يحذر التليدي، مشدّدًا على أنّه لا ينبغي لبلد يتوخى المصلحة العامة أن يدفع في اتجاه ذلك.
ويتحدث التليدي عن غياب أي بدائل اقتصادية لتنمية الريف، وهو ما ترجم في سياسة الهروب إلى الأمام عبر تقنين زراعة واستخدام الحشيش دون فتح أي نقاش مجتمعي أو سياسي.
ويستغرب التليدي ممّا يسمّيه خطاب التضليل بشأن الحقائق على الأرض الممارس من قبل الحكومة والأحزاب التي تسير في فلكها، والداعمة لقانون يمثل قنبلة اجتماعية حقيقية تهدد مستقبل الأجيال.
خيار "براغماتي" لوضع حد لشبكات التهريب
في المقابل، يدافع البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة العربي المحرشي عن بنود القانون، الذي يعتبره المَخرج الأقل ضررًا والخيار البراغماتي لوضع حد لشبكات تهريب المخدرات التي تستنزف الاقتصاد المغربي، وتستغل صغار المزارعين في عمليات زراعة غير مشروعة على حد تعبيره.
ويؤكد، في حديث إلى "العربي"، أن المغرب ملتزم بالمواثيق الدولية لمحاربة الاتجار غير الشرعي بالمخدرات بكل أصنافها، مشيرًا إلى ارتفاع الطلب العالمي على القنب الهندي الموجه لأغراض طبية؛ وهو ما يمثل سوقًا واعدة للمغرب.
وينفي المحرشي اتهامات طالت حزب الأصالة والمعاصرة بالاستثمار في مآسي سكان منطقة الريف لأهداف انتخابية خاصة، مشيرًا إلى أنّ الحزب كان من السباقين لطرح هذا الموضوع للنقاش بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية؛ لأنه يتماشى مع التزامات المغرب الدولية.
ويؤكد أن المغرب قادر على مواجهة أي استراتيجية تتبناها شبكات التهريب للالتفاف على القانون، وأن المغرب بأجهزته ومؤسساته عازم على وضع حد لـ"كارتل" التهريب من جهة وإنعاش أقاليمه الشمالية تنمويًا.