تُشير التصريحات والتسريبات المنسوبة للمسؤولين الإسرائيليين ودوائر صنع القرار في تل أبيب، إلى أنّ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يراوح مكانه، نظرًا لغياب ما يُعرف بـ"الحسم العسكري"، وعدم وضوح الرؤية والتخبّط في إدارة المعارك مع المقاومة.
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أنّ حكومة بنيامين نتنياهو أبلغت المحكمة العليا أنّ حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ما زالت تحكم في غزة، وأنّ جيش الاحتلال يتعرّض لمقاومة في القطاع تحت الأرض وفوقها، من دون سيطرة فعّالة.
ورغم استمرار المجازر وجرائم الإبادة الجماعية بحقّ المدنيين، تغيب العمليات العسكرية الإسرائيلية الكبيرة حاليًا عن مناطق القطاع، بسبب انتهاء ما يُعرف بـ"بنك الأهداف".
وأفادت هيئة البثّ الإسرائيلية بأنّ قادة في جيش الاحتلال يدرسون إمكانية إعلان شمال قطاع غزة منطقة عسكرية وفق خطة جديدة مقترحة، تنصّ على تهجير 200 ألف فلسطيني من مناطق الشمال، تمهيدًا لخضوعها للسيطرة العسكرية الإسرائيلية.
وتزامن ذلك مع زعم جيش الاحتلال تفكيك لواء رفح العسكري التابع لكتائب "القسّام" الذراع العسكري لحركة "حماس"، بعد ثلاثة أشهر من العمل في المنطقة.
كما تلف الضبابية آفاق الحل السياسي، مع وصول مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار إلى حائط مسدود بسبب العراقيل الإسرائيلية المستمرّة.
وعن مستقبل القطاع، كشف رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى في مقال نشره في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، تفاصيل ما وصفها بـ"خطة وطنية أعدّتها حكومته بشأن اليوم التالي لغزة".
وتنصّ الخطة على تولّي السلطة الفلسطينية مسؤوليتها الكاملة تجاه القطاع، بما يشمل جهود إعادة الإعمار، إلى جانب التنسيق مع جهات أممية ودولية لتمكين حكومة فلسطينية غير محزّبة من أداء مهمتها.
منع تشكيل لجنة تحقيق رسمية حول حرب غزة
وفي هذا الإطار، أوضح الدكتور مهند مصطفى الباحث في مركز مدى الكرمل، أنّ المراسلات بين المحكمة العليا الإسرائيلية والحكومة تهدف إلى منع تشكيل لجنة تحقيق رسمية بشأن الحرب على غزة، بحيث تسعى إسرائيل إلى إطالة أمد الحرب واستمرار التواجد العسكري في القطاع.
وقال مصطفى في حديث إلى "التلفزيون العربي" من أم الفحم، إنّ أغلب العمليات تُشبه حرب العصابات، أي أنّها عبارة عن كمائن تقوم بها المقاومة الفلسطينية ضدّ قوات الاحتلال، وبالتالي أصبح هناك ضغط إسرائيلي من أجل إنهاء الحرب، والتوجّه نحو الهدف المركزي بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي المتمثّل باستعادة الأسرى.
وقال إنّ جيش الاحتلال يُسيطر على كل قطاع غزة، من محور فيلادلفيا وشمال قطاع غزة، مع إقامته منطقة أمنية عازلة داخل القطاع بين إسرائيل وقطاع غزة، مشيرًا إلى أنّ التقديرات الإسرائيلية تتحدّث عن أنّ "حماس" ما تزال تحكم في القطاع، وأنّها في كل مرة تُرمّم ذاتها وقدراتها للحكم في القطاع، وهو ما يُعتبر مسوّغًا إسرائيليًا لاستمرار الحرب من أجل القضاء على القدرات المدنية والحكومية لحركة "حماس".
"مواجهة مفتوحة" قد تشهد تطورًا خلال الفترة المقبلة
بدوره، أوضح إياد القرّا الكاتب والباحث السياسي، أنّ المقاومة الفلسطينية استطاعت التأقلم مع الوضع في غزة، وأعادت تدوير ذاتها على صعيد العمل الميداني في مواجهة الاحتلال.
وقال القرا في حديث إلى "التلفزيون العربي" من خانيونس، إنّ التواجد الإسرائيلي في محوري نتساريم وفيلادلفيا وفي المناطق الحدودية مع قطاع غزة يفرض على الاحتلال مواجهة مفتوحة مع المقاومة حيث لا تزال هناك سيطرة لكتائب "القسّام" على الميدان، لناحية السرعة في اتخاذ القرارات ومحاولة الحفاظ على حياة أكبر عدد ممكن من الأسرى الإسرائيليين.
ورأى أنّ هذه المواجهة المفتوحة قد تشهد تطورًا خلال الفترة المقبلة، في حال استمرّت الأوضاع الحالية إلى حين التوصّل إلى صفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار وشكلها خاصّة في المرحلة الأولى.
وأضاف أنّ "حماس" تعتبر أنّ أحد أهم نجاحاتها هو قدرة المقاومة على الصمود والعمل في ظروف صعبة للغاية، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل لم تستطع القضاء على العمل الحكومي تمامًا لاعتبارات كثيرة.
إدارة بايدن "لم تستلم"
من جهته، رأى السفير وليام روباك نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق، أنّ الإدارة الأميركية تشعر بمسؤولية كبيرة من أجل التوصّل إلى صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة.
وقال روباك في حديث إلى "التلفزيون العربي" من العاصمة الأميركية، إنّ واشنطن لم تستسلم ولا تزال منخرطة في المفاوضات العصيبة لأنّه ليس أمامها خيار لمواجهة الضغط المحلي عليها للوصول إلى صفقة.
وأضاف أنّ إدارة بايدن ستستمرّ في العمل على المقترح الحالي، وإذا ما اقتضى الأمر في الأيام والأسابيع المقبلة فإنّها ستدرس اقتراحًا جديدًا لمحاولة التقدّم في المفاوضات.