تتزايد مخاوف اللبنانيين في الفترة الأخيرة من إقدام المصرف المركزي على تعويم سعر صرف الليرة، تحت ضغوط صندوق النقد الدولي، ما قد يعني المزيد من تراجع العملة المحلية، وارتفاع في الأسعار في البلد الذي يرزح تحت أزمة اقتصادية خانقة.
وقد سبق عدد من الدول العربية لبنان إلى هذه الخطوة؛ إذ قامت خمس دول عربية بتعويم عملتها، كليًا أو جزئيًا، خلال السنوات الخمس الأخيرة لتدارك أزماتها. وظهرت تبعات هذه الخطوة القاسية على مواطنيها، ولاسيما الفئات الضعيفة وأصحاب الدخول المتدنية.
-
مصر
كانت مصر أولى الدول العربية في التخلي عن سعر الصرف الثابت للجنيه مقابل الدولار، حيث حرّرت سعر الصرف بشكل كامل، بحيث يترك تحديد السعر تمامًا لآلية العرض والطلب في السوق.
وكان من التبعات الفورية للقرار، تراجع حاد في سعر صرف الجنيه من حوالي 8.8 جنيهات للدولار إلى 18 جنيها؛ ما أضعف احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، وبالتالي قدرتها على تأمين السلع الأساسية، التي يُستورد معظمها من الخارج.
كما ارتفعت نسب التضخم في مصر خلال الأشهر اللاحقة لقرار التعويم لتتجاوز 35%، في وقت تآكلت ودائع المصريين المقوَّمة بالعملة المحلية، بسبب هبوط أسعار الصرف.
-
اليمن
أقدم اليمن على تحرير عملته بشكل كامل في العام 2017، في خطوة كانت تهدف إلى ردم الفجوة بين سعر الصرف الرسمي، المحدد بنحو 250 ريالًا للدولار.
ونجم عن الخطوة تراجع سعر العملة المحلية، خلال ساعات، ليتجاوز 370 ريالًا للدولار، وهو سعر الصرف المتداول في السوق السوداء.
وتتباين أسعار صرف الريال أمام الدولار الأميركي، اليوم وبعد قرابة 4 سنوات على التعويم، لكنه يبلغ بالمتوسط 850 - 900 ريال في العاصمة المؤقتة عدن، وسط شح في النقد الأجنبي.
وتدخلت دول مثل السعودية والإمارات لدى البنك المركزي، عبر ضخ ودائع مقومة بالدولار بهدف الحفاظ على تماسك الريال، إلا أن الحرب الدائرة وغياب الاستقرار أفقد البلاد غالبية النقد الأجنبي.
-
المغرب
بعد تجربتي مصر واليمن في التحرير الكامل لعملتيهما، وما صاحب ذلك من احتجاجات شعبية، اختارت الحكومة المغربية تعويمًا تدريجيًا للدرهم، في إطار برنامج إصلاح اشترطه صندوق النقد الدولي لتقديم مساعدة للبلاد.
فقد قررت الحكومة المغربية في العام 2018 السماح لسعر صرف الدرهم بهامش 2.5% صعودًا أو هبوطًا أمام سلة من عملتي اليورو (بوزن 60%) والدولار الأميركي (بوزن 40%)، باعتبارها مرحلةً أولى للتعويم الكامل على مدى 10 سنوات.
وبدأ المغرب مرحلة ثانية من تعويم الدرهم في مارس/ آذار 2020، بتوسيع هامش التحرك إلى 5% صعودًا أو هبوطًا.
ولم يشهد المغرب أي ارتباكات حادة في عملية التعويم الجزئي، لأنها لم تكن أولوية للاقتصاد المحلي الذي كان يتمتع بدرجة من الاستقرار في الأنشطة التجارية وميزان المدفوعات، وتوفر البلاد على كتلة نقدية أجنبية آمنة.
-
العراق
واجه البنك المركزي العراقي هدرًا في احتياطي النقد الأجنبي في النصف الثاني من 2020، وذلك جراء استغلال مضاربي السوق السوداء للفارق بين السعر الرسمي (1183 دينارًا للدولار) وسعر السوق الموازية (1490 دينارًا للدولار).
وأقدمت السلطات العراقية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتحت هذا الضغط، وضغوط من المؤسسات الدولية، على تعويم جزئي للعملة، بخفض سعر الدينار إلى 1460 مقابل الدولار، بهدف القضاء على السوق السوداء.
وبررت المالية العراقية خفض قيمة الدينار، بمواجهة الأزمة المالية التي تتعرض لها البلاد، إثر تراجع أسعار بيع النفط في الأسواق العالمية، بسبب تداعيات فيروس كوفيد-19.
وسرعان ما أعلن صندوق النقد الدولي، دعمه لقرار خفض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، ضمن خطة إصلاحات مالية في البلاد التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة.
-
السودان
كان السودان آخر الدول العربية التي تخلت عن سعر الصرف الثابت لعملتها الوطنية؛ إذ أقدم البنك المركزي السوداني في فبراير/ شباط الماضي على تعويم جزئي للعملة المحلية، وهي خطوة مماثلة تقريبًا للإجراء العراقي.
وعلى إثر قرار المركزي السوداني "توحيد سعر الصرف"، انخفض سعر العملة المحلية من 55 جنيهًا للدولار (السعر الرسمي حتى تاريخه) إلى 370 جنيهًا، بينما بلغ المتوسط في تعاملات الأسبوع الجاري 379 جنيهًا.
وقال بيان لـ"المركزي"، الشهر الماضي: إن "القرار يهدف إلى توحيد واستقرار سعر الصرف، وتحويل الموارد من السوق الموازية إلى السوق الرسمية، واستقطاب تحويلات السودانيين العاملين بالخارج".
وسبق خطوة المركزي السوداني توحيد سعر الصرف، رفع تدريجي لدعم الوقود وسلع أساسية أخرى، تنفيذًا لمطالب صندوق النقد الدولي باعتباره شرطًا لدعم برنامج الخرطوم الإصلاحي.