بينما يرصد العالم القصف الروسي على المدن الأوكرانية التي كانت نابضة بالحياة، ومقتل المدنيين بالقذائف أثناء محاولتهم الفرار، وسط تكهنات حول ما إذا كانت روسيا ستستخدم الأسلحة الكيميائية، يراقب العديد من السوريين بإحساس مروّع ما إذا كان "مصيرًا مماثلًا لمصيرهم" ينتظر الأوكرانيين، خاصّة وأنهم لا يزالون ينتظرون تحقيق العدالة الاجتماعية.
فبعد 11 عامًا من الحرب في سوريا، لا تزال الجرائم واسعة النطاق التي ارتكبها النظام السوري المدعوم من روسيا ضد شعبه، حتى الآن من دون حساب.
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن محللين قولهم إن إرث الحرب السورية، ودور روسيا فيها، يلوح في الأفق بشكل كبير على أوكرانيا، مما يقدم دروسًا محتملة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين مفادها بأن "الخطوط الحمراء" التي وضعها الغرب يمكن تجاوزها من دون عواقب طويلة الأجل؛ وأنه يُمكن استخدام الدبلوماسية التي يُزعم أنها تهدف إلى وقف العنف لصرف الانتباه عنه، وأن الحكام المستبدين يمكنهم القيام بأشياء فظيعة ومواجهة العقوبات الدولية، ويبقوا في السلطة.
سوريا والإفلات من العقاب
تم توثيق الكثير من الوحشية التي مارسها النظام السوري لسحق أعدائه، وأثارت الغضب الذي جعل الكثيرين يعتقدون أنه لن يفلت من العقاب. أطلق جنوده الرصاص الحي على المتظاهرين، وفرض سياسة التجويع والحصار. قُتل الآلاف، وهُجّر أكثر من نصف سكان سوريا خلال الحرب، ولا يزال 5.7 مليون لاجئ خارج البلاد.
لكن الصدمة الكبرى، حصلت في أغسطس/ آب 2013، عندما استخدم النظام أسلحة كيميائية في المناطق التي يسيطر عليها المعارضون بالقرب من العاصمة دمشق، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص، حسبما قال مسؤولون أميركيون.
يتذكّر إبراهيم الفوال (29 عامًا)، الذي نجا من الهجوم الكيميائي، المشهد قائلًا: "شهدنا شيئًا لم يشهده سوى عدد قليل جدًا من الأشخاص من قبل، مثل أولئك الذين شهدوا تشيرنوبيل أو هيروشيما".
وتوقّع العديد من السوريين أن مثل هذا الانتهاك الصارخ للقانون الدولي من شأنه أن يدفع إلى تدخل عسكري غربي، خاصة وأن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وصف استخدام الأسلحة الكيميائية حينها بأنه "خط أحمر".
لكن الولايات المتحدة لم تتدخل بشكل كبير، وفي نهاية المطاف، سيطر النظام السوري على البلدات التي تعرّضت للغاز.
ورأى الفوّال أن هذا الأمر دفع رئيس النظام السوري بشار الأسد للاعتماد على سياسة الإفلات من العقاب، ليصعّد الجيش هجماته على البنية التحتية المدنية بما في ذلك المدارس والمستشفيات والأحياء والمخابز حيث اصطفت العائلات لشراء الخبز.
عام 2015، أرسل بوتين قوات روسية لمساعدة النظام السوري المحاصر، وقدّم الضباط الروس المشورة للقوات السورية، وكانت الطائرات الروسية تلقي القنابل على المدن السورية، متمتعة بنفس "ميزة" الإفلات من العقاب الذي بدا أن الرئيس السوري يتمتع بها.
التضليل في أوكرانيا
في أوكرانيا، استخدمت روسيا حملات تضليل مماثلة لتلك التي راجت في سوريا، حيث وصفت دمشق نشطاء المعارضة زورًا بأنهم أعضاء في تنظيم "القاعدة"، واتهمت المعارضة بشنّ الهجمات الكيميائية (علم كاذب) لإلقاء اللوم على الحكومة السورية.
وعن نهج روسيا تجاه أوكرانيا، قال الفوال: "إنهم يعتمدون نفس النهج في سوريا: الكذب وتصديق الكذبة".
وقال توبياس شنايدر، الباحث في معهد السياسة العامة العالمية ببرلين، إن "هناك ما لا يقل عن 350 هجومًا آخر بمواد كيميائية حصلت في سوريا".
روسيا والكيميائي في سوريا وأوكرانيا
وبينما لم يظهر أي دليل على استخدام القوات الروسية لأسلحة كيميائية في سوريا، يعتقد الباحثون أن بوتين مكّن النظام السوري من القيام بذلك. وقال شنايدر: "من المؤكد أن الحكومة الروسية تعرف على الأقل بوقوع الهجمات، ومن المحتمل أنها سهّلت استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري، ومعظمها هجمات بالكلور".
وعلى الرغم من أنه لا توجد مؤشرات على استخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا، إلا أن السوريين الذين يشاهدون الحرب هناك يرون "دلائل على أن بوتين يعتمد أجزاء من قواعد اللعبة السورية".
وقال رضوان الحمصي، ناشط سوري في جنوب تركيا، إن الروس "مستعدون لالتهام الأخضر واليابس، أي تدمير كل شيء. إنهم لا يهتمون بالمجتمع الدولي أو بأي شيء آخر. لقد رأينا ذلك في سوريا. إنها الأرض التي يريدون أخذها وسيأخذونها".
هل يفلت بوتين من العقاب؟
لكن محللين أوروبيين يشيرون إلى وجود "فروق واختلافات بين الحرب في البلدين، ما يؤدي إلى ردود فعل غربية مختلفة. فعلى عكس بوتين، حارب الأسد لاستعادة السيطرة على بلاده، لا السيطرة على أحد جيرانه. وعلى عكس سوريا، فإن روسيا قوة مسلحة نوويًا، مما يعقد مسألة التدخل العسكري الغربي".
وقالت الصحيفة إنه "بينما سمحت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إلى حد كبير للأسد بالإفلات من العقاب لاستخدامه الأسلحة الكيميائية في الشرق الأوسط، رجّحت أن يُثير قيام بوتين بذلك في القارة الأوروبية، ردود فعل أكثر صرامة".
وقالت باتريشيا لويس، مديرة برنامج الأمن الدولي في تشاتام هاوس، للصحيفة: "إذا كان بوتين يعتقد أنه سيعامل مثل الأسد، فهو مخطئ لأنه ليس الأسد وهذه ليست سوريا".
بدوره، حذّر إميل حكيم، محلل شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، من إستراتيجيتين يستخدمهما الروس في سوريا ويمكن أن توظّفا في أوكرانيا أيضًا.
الإستراتيجة الأولى تقوم على "انخراط روسيا في الدبلوماسية الدولية التي تهدف إلى إنهاء العنف كوسيلة لصرف انتباه الغرب عن الحرب على الأرض، مثل المفاوضات المتعثرة التي تجري بين موسكو وكييف"؛ والثانية تتمثّل في "الخلق المتعمّد لأزمة لاجئين لإغراق أوروبا واستنزاف مواردها".
وقال حكيم للصحيفة: "إن خلق كارثة إنسانية هو جزء من إستراتيجية الحرب، وليس تأثيرًا ثانويًا، لأن هذه هي الطريقة التي تنقل بها العبء إلى الجانب الآخر".