لم يظهر مقطع الفيديو الذي صور استشهاد المراسلة شيرين أبو عاقلة في 11 مايو/ أيار الجاري بعدسة زميل لها سوى جانب واحد ممّا حصل. وقد دفع ذلك بالاحتلال الإسرائيلي إلى رمي "مزاعم" بالجملة، ولو أنّ "تعدّد رواياته" أظهر ارتباكه في مواجهة "الحقيقة" الثابتة، وهي أنّ قواته "اغتالت" الصحافية الشهيدة بدم بارد.
إلا أنّ تحقيقًا أجرته قناة "سي أن أن" (CNN) الأميركية، واستعانت فيه بشهادات لثمانية أشخاص وبخبير أسلحة ومقاطع فيديو، أكّد المؤكّد، حيث خلص إلى أنّ أبو عاقلة اغتيلت من قبل الجنود الإسرائيليين بهجوم "متعمّد"، ومن دون أن يكون هناك قتال نشط مع مسلحين فلسطينيين، أو حتّى أن يكون بالقرب منها مسلحون.
وبين "الشهود" الذين تحدّثت إليهم القناة الأميركية، زميلة أبو عاقلة، شذى حنايشة التي أكّدت أنّهما كانتا ترتديان سترات زرقاء تظهر عليها عبارة "صحافة" بوضوح. وأضافت: "لقد وقفنا أمام المركبات العسكرية الإسرائيلية لحوالي خمس إلى عشر دقائق قبل أن نتحرك للتأكد من رؤيتنا. وهذه عادة لنا كصحافيين، حيث نتحرك كمجموعة ونقف أمامهم، ولذلك هم يعلمون أننا صحافيون".
وعند إصابة أبو عاقلة، اعتقدت حنايشة أنهم يطلقون النار عشوائيًا. وقالت: "لذا بقينا، لم أكن أعتقد أنهم كانوا يحاولون قتلنا".
ولكن فعليًا اليوم ثبت انه الاحتلال استهدف شيرين أبو عاقلة بشكل مباشر، وقتلها عن سبق إصرار وترصد. صوت الرصاص ومكان الرصاص وطريقة إطلاق النار حسب الخبراء العسكريين كلها بتدل انه الاحتلال قصد يقتل شيرين، قصد يقتلنا كلنا.
— Shatha Hanaysha (@ShazaAbed) May 24, 2022
أدلة جديدة لاغتيال شيرين أبو عاقلة
وبحسب التحقيق الذي أجرته الشبكة الأميركية، والذي تضمّن مقطعي فيديو لمسرح إطلاق النار، فإنّه لم يكن هناك قتال نشط، ولا أي مسلحين فلسطينيين، بالقرب من أبو عاقلة في اللحظات التي سبقت وفاتها، ما يدحض المزاعم الإسرائيلية.
وتشير مقاطع الفيديو التي حصلت عليها "سي أن أن"، والمدعومة بشهادة ثمانية شهود عيان ومحلل صوتي وخبير أسلحة متفجرة، إلى أنّ أبو عاقلة اغتيلت في هجوم "متعمّد" من قبل القوات الإسرائيلية.
وتظهر اللقطات مشهدًا هادئًا قبل أن يتعرض الصحافيون لإطلاق النار في ضواحي مخيم جنين للاجئين.
ويبدو في مقطع فيديو مدته 16 دقيقة صُور بهاتف محمول تمت مشاركته مع "سي أن أن"، الرجل الذي يصور يسير باتجاه المكان الذي تجمع فيه الصحافيون، ويقترب من مسافة قريبة من المركبات المدرعة الإسرائيلية، ويقول: "انظر إلى القناصين".
وقال سالم عوض مصور مقطع الفيديو، الذي يبلغ 27 عامًا ويسكن مخيم جنين: "إنه لم يكن هناك مسلحون فلسطينيون أو أي اشتباكات في المنطقة، ولم يكن يتوقع حدوث إطلاق نار، نظرًا إلى وجود الصحافيين في الجوار".
لكن الوضع تغير بسرعة بحسب عوض، الذي يتحدّث عن "إطلاق نار بدأ بعد حوالي سبع دقائق من وصوله إلى مكان الحادث".
تحقيق لـ "سي إن إن".. أدلة جديدة تكشف اغتيال #شيرين_أبو_عاقلة في هجوم "متعمد" 👇 pic.twitter.com/QFgzbvz2ll
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 25, 2022
لحظة إطلاق النار على شيرين أبو عاقلة
ويظهر مقطع الفيديو الذي صوّره عوض لحظة إطلاق النار على أبو عاقلة وزملائها ويظهر في اللقطات خط رؤية مباشر باتجاه القافلة الإسرائيلية.
وتابع عوض: "رأينا حوالي أربع أو خمس عربات عسكرية في ذلك الشارع تخرج منها بنادق، وأطلقت إحداها النار على شيرين. كنا نقف هناك، ورأيناها. وعندما حاولنا الاقتراب منها، أطلقوا النار علينا. حاولت عبور الشارع للمساعدة، لكنني لم أستطع". وأضاف أنه رأى رصاصة أصابت أبو عاقلة في الفجوة بين خوذتها وسترتها الواقية، بالقرب من أذنها فقط.
وقال شاب يبلغ من العمر 16 عامًا، كان من بين مجموعة الرجال والفتيان في الشارع، إنه "لم يتم إطلاق الرصاص، ولا رشق الحجارة، ولا شيء" قبل إطلاق النار على أبو عاقله. وأفاد بأن الصحافيين أخبروهم ألا يتابعوا سيرهم باتجاه القوات الإسرائيلية.
وعندما اندلع إطلاق النار، قال إنه اختبأ خلف سيارة على الطريق، على بعد ثلاثة أمتار، حيث شاهد لحظة استشهاد أبو عاقلة. وشارك المراهق مقطع فيديو مع شبكة "سي أن أن"، تم تصويره في الساعة 6:36 صباحًا، بعد مغادرة الصحافيين المكان إلى المستشفى مباشرة. وأظهر المقطع خمس مركبات تابعة للجيش الإسرائيلي تسير ببطء متجاوزة المكان حيث استشهدت أبو عاقلة. ثم انعطفت القافلة إلى اليسار قبل أن تغادر المخيم.
11 مقطع فيديو
واستعرضت شبكة "سي أن أن" ما مجموعه 11 مقطع فيديو تظهر المشهد والقافلة العسكرية الإسرائيلية من زوايا مختلفة - قبل وأثناء وبعد استشهاد شيرين أبو عاقلة.
وتشمل الأدلة المرئية التي استعرضتها الشبكة شريط فيديو يصور جنودًا إسرائيليّين يجرون عبر زقاق ضيق، حاملين بنادق هجومية من طراز M16 وغيرها أثناء خروجهم إلى الشارع حيث تقف المركبات المدرعة.
وقال مصدر عسكري إسرائيلي للشبكة: "إن الجانبين كانا يطلقان نيران بنادق هجومية من طراز M16 و M4 في ذلك اليوم".
وفي مقاطع الفيديو، يمكن رؤية خمس سيارات إسرائيلية تقف في صف واحد على الطريق نفسه حيث اغتيلت شيرين أبو عاقلة، إلى الجنوب. وفي الجزء الخلفي الخارجي من كل سيارة، توجد فتحة ضيقة مستطيلة الشكل.
مركبات مجهزة بفتحات قنص
وزعم الجيش الإسرائيلي في بيان حول تحقيقه الأولي في إطلاق النار على أبو عاقلة، إلى أنها ربما أصيبت برصاص جندي إسرائيلي من "ثقب إطلاق نار في مركبة تابعة للجيش الإسرائيلي باستخدام منظار تلسكوبي"، خلال تبادل لإطلاق النار.
لكنّ العديد من شهود العيان جزموا لشبكة "سي أن أن" أنهم رأوا بنادق قنص تبرز من الفتحات قبل بدء إطلاق النار، لكن لم يسبق ذلك إطلاق نار آخر.
ومن جهته، قال جمال حويل، الأستاذ في الجامعة العربية الأمريكية في جنين، الذي ساعد في سحب جثة أبو عاقلة من الطريق: "إنه يعتقد أن الطلقات كانت قادمة من إحدى المركبات الإسرائيلية"، التي وصفها بأنها "طراز جديد له فتحة بسبب ارتفاع الرصاص واتجاهه". وأضاف: "كانوا يطلقون النار مباشرة على الصحافيين".
وبينما تدرس إسرائيل ما إذا كانت ستبدأ تحقيقًا جنائيًا، استبعدت السلطة الفلسطينية التعاون مع الإسرائيليين في أي تحقيق.
ودعا المشرعون في الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى إجراء تحقيق مستقل في قضية استشهاد أبو عاقلة.
وفي تحقيق أولي، قال الجيش إن هناك احتمال إصابة أبو عاقلة إما بنيران فلسطينية عشوائية، أو من قبل قناص إسرائيلي تمركز على بعد حوالي 200 مترًا في تبادل لإطلاق النار مع مسلحين فلسطينيين، رغم أن لا إسرائيل ولا شخص آخر قدّمت أدلة تظهر مسلحين فلسطينيين ضمن خط نيران واضح بالقرب من أبو عاقلة.
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي في 19 مايو/ أيار إنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيواصل تحقيقًا جنائيًا في استشهاد أبو عاقلة.
ويوم الإثنين، قال كبير محامي الجيش الإسرائيلي، اللواء يفعات تومر يروشالمي: "إنه بموجب سياسة الجيش، لا يتم فتح تحقيق جنائي تلقائيًا في حالة مقتل شخص في وسط منطقة قتال نشطة، إلا في حال وجود اشتباه موثوق وفوري بارتكاب جريمة جنائية"، على حدّ زعمه.