على بعد حوالي 80 كيلومترًا من المكان الذي تحتشد فيه القوات والدبابات الروسية على الحدود الأوكرانية، وتحديدًا في مدينة خاركيف، أحيت مجموعة من الأوكرانيين، أمس الثلاثاء، "يوم الوطنيين" أي ذكرى الانتفاضة ضد الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش الذي كان مواليًا لروسيا عام 2014، وذكرى ضحايا تفجير خاركيف عام 2015، الذي وقع خلال تجمع حاشد لإحياء الذكرى الأولى للانتفاضة.
وضع هؤلاء أيديهم فوق قلوبهم، ورفعوا أعلام البلاد وهم يشدون النشيد الوطني، مردّدين "المجد لأوكرانيا، المجد للأبطال".
ووصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تظاهرة الأمس بأنها "بمثابة تحد" بعد يوم واحد فقط من إلقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابًا يتحدّى "شرعية" أوكرانيا باعتبارها دولة ذات سيادة بعد الاعتراف بـ"استقلال" لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين في شرق أوكرانيا اللتين أعلنتا استقلالًا من طرف واحد.
وقال فولويمير تشيستيلين، وهو أحد منظّمي "يوم الوطنيين" في خاركيف، للصحيفة: "يفهم الجميع أن الحرب قد أُعلنت بالفعل. هذه لحظة حاسمة".
خاركيف.. هدف محتمل للغزو
وخاركيف هي ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا بعد العاصمة كييف، وتقع على بعد 45 دقيقة بالسيارة من الحدود الروسية.
وعلى الرغم من قربها من روسيا، كانت المدينة بعيدة عن المعارك بين الانفصاليين والقوات الحكومية الأوكرانية المستمرّ منذ ثماني سنوات. لكنّ مع اعتراف بوتين بالمناطق الانفصالية، فإن خط المواجهة قد يصل إلى الحدود الجنوبية لخاركيف، إذا ساعدت القوات الروسية الانفصاليين على المطالبة بأراض أوسع.
وبينما يتمّ نشر القوات والمعدات الروسية في شرق المدينة، عبر حدود الدولتين، حذّر المسؤولون الأميركيون من أن بوتين قد يخطّط لغزو واسع النطاق لأوكرانيا لا يقتصر على منطقة دونباس. وفي هذه الحالة، تعتبر خاركيف هدفًا محتملًا بسبب موقعها وسكانها الذين يتحدثون اللغة الروسية.
لكن الصحيفة أشارت إلى أن الحياة في خاركيف "تبدو طبيعية بشكل مدهش، وكأن الأوكرانيين لا يريدون منح بوتين الشعور بالرضى لإزعاجه حياتهم اليومية، وإن كان القلق العام بشأن هجوم عسكري روسي محتمل يزداد".
وقالت إيفجينيا تسيغونكو (61 عامًا) للصحيفة، إنها استمعت إلى خطاب بوتين بغضب على غرار العديد من المواطنين الأوكرانيين، وتحديدًا من تصريحاته عن أن "أوكرانيا الحديثة تم إنشاؤها بالكامل من قبل روسيا".
وأضافت أن ما قاله بوتين "ينتهك سلامة أراضي أوكرانيا. نحن نتعرّض للهجوم، وسيكون هناك سفك للدماء من الجانبين، وإن كنا لا نريد ذلك".
حالة تأهّب قصوى
بانتظار أي تحرّك من مناطق الانفصاليين، تنتشر كتيبة عسكرية أوكرانية في زولوت المهدّدة بالغزو فورًا.
وقال أحد الجنود هناك، في رسالة نصية، إن كتيبته الآن في حالة تأهب قصوى، وعلى استعداد لتغيير المواقع بسرعة إذا كانت هناك محاولة لخرق خط الترسيم الحالي.
حالة الطوارىء هذه لم تصل إلى خاركيف بعد، حيث قال العديد من الأشخاص للصحيفة إنهم لم يكلّفوا أنفسهم عناء الاستماع إلى خطاب الرئيس الروسي أو حزم حقائبهم.
كما قال آخرون إن اعتراف بوتين بالمنطقتين الانفصاليتين لم يغير شيئًا بالنسبة لهم، إذ لطالما اعتبر الأوكرانيون القوات هناك على أنها وكلاء روس بأسلحة قدّمتها موسكو.
بدوره، رصد مراسل "العربي" صابر أيوب التطوّرات العسكرية في بلدة نيويورك الأوكرانية الحدودية مع قوات الانفصاليين المدعومين من روسيا في إقليم دونباس، وتحوّلها إلى ثكنة عسكرية بعد نزوح سكانها إلى مدن أخرى، وانتشار القوات الأوكرانية فيها.
وفي مقبرة وسط كييف، ألقى مشيعون نظرة الوداع على النقيب أنطون سيدوروف (35 عامًا)، الذي قُتل، السبت، بالقرب من خط المواجهة الذي يفصل الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة عن المناطق الانفصالية التي تدعمها موسكو.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن الجنازة عكست المشاعر المختلطة التي سادت في العاصمة الأوكرانية كييف، حيث تلقّى بوتين الموافقة على استخدام القوة العسكرية من البرلمان، مما زاد من توقع الحرب ضد أوكرانيا.
ورغم الحزن، إلا أن المواطنين في كييف كانوا متحدين، مؤكدين استعدادهم لقتال محتمل ضد روسيا مع انضمام العديد من المدنيين إلى وحدات الدفاع الإقليمية وتلقيهم للتدريبات العسكرية.
كما أفادت بعض متاجر الإمدادات العسكرية في المدينة أن أسلحتها نفدت بالفعل.
وقال سيرهي كوليسنيك (45 عامًا)، لصحيفة "نيويورك تايمز": "نحافظ على الهدوء ونجهز أسلحتنا فقط".
من جهته، قال أرتور سافواسكي، وهو صاحب متجر "بياتا فارتا" لبيع الأسلحة في وسط كييف: "يشتري الناس الأسلحة من أجل أمنهم والدفاع عن أنفسهم وحماية منازلهم".