بعد أكثر من شهر على اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، أعلن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الجمعة إقالة نائبه الذي أصبح عدوه اللدود محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وأحاط نفسه بمقربين إليه على رأس الجيش والدولة.
وأعلن الفريق أول البرهان أنه أصدر "مرسومًا دستوريًا بإعفاء قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو من منصبه كنائب لرئيس مجلس السيادة" (أعلى سلطة سياسية حاليًا في البلاد)، وقرر تعيين مالك عقار في ذلك المنصب.
كذلك، أعلنت قيادة أركان الجيش السوداني من جهتها تعيين الفريق أول شمس الدين كباشي في منصب القائد العام للقوات المسلحة، والفريق أول ركن عبد الرحمن حسن العطا والفريق إبراهيم جابر إبراهيم كريمة مساعدين للقائد العام للجيش.
وشُكل مجلس السيادة من مدنيين وعسكريين في أغسطس/ آب 2019، عقب الإطاحة بعمر البشير، وأوكلت إليه مهمة قيادة البلاد خلال مرحلة انتقالية، تقود إلى تحول ديمقراطي وتسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة.
غير أن البرهان الذي ترأسه ودقلو نائبه في المجلس قاما معًا بانقلاب لإزاحة المدنيين من السلطة.
وبعد أقل من عام واحد، وصف دقلو الانقلاب بأنه "فاشل" وبدأ التوتر في التصاعد بين الرجلين.
#السودان.. #البرهان يعفي #حميدتي من منصبه بمجلس السيادة السوداني، ويُعيّن مالك عقار خلفًا له#العربي_اليوم تقرير: ملهم بريجاوي pic.twitter.com/c6CQRaGD8c
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 19, 2023
مالك عقار، الذي يحل محل دقلو نائبًا لمجلس السيادة، هو رئيس لحركة تحرير السودان-الشمال ويتحدر من ولاية النيل الأزرق، عند الحدود مع إثيوبيا، التي كان حاكمًا لها. في عام 2020، وقع عقار وقادة حركات تمرد اتفاق سلام مع الخرطوم وهو عضو في مجلس السيادة منذ فبراير/ شباط 2021.
وشكلت حركة تحرير السودان-الشمال في العام 2011 من أعضاء حركة التمرد الدنوبية الذين فضلوا البقاء في السودان بعد انفصال الجنوب. إلا أنها انقسمت إلى جناحين في العام 2017 أحدهما يدعو إلى دولة علمانية قبل توقيع اتفاق السلام والآخر بقيادة عقار وافق على التوقيع.
ما الخلفيات السياسية لإعفاء حميدتي من منصبه؟
وفي هذا الإطار، يوضح الكاتب الصحفي السوداني مأمون عثمان، أن هناك الكثير من أهل السودان يعتبرون بأن قرار البرهان بإقالة حميدتي جاء متأخرًا جدًا بالنظر لما آلت إليه الأمور في الصراع السياسي بين القوات المسلحة والدعم السريع.
وأضاف في حديث إلى "العربي" من استديوهات لوسيل، أن البعض ينظر إلى ما جرى على أنها الإصلاحات التي كانت تنادي بها ورشة الإصلاح الأمني والعسكري فيما يتعلق بحالة إصلاح قطاع القوات المسلحة، وكأنما الجيش ذهب إلى تغيير وتنفيذ عملية الإصلاح بلا اتفاقات سياسية مع قوى أخرى كانت تطالب بإعادة هيكلة ودمج القوات المسلحة السودانية.
ويرى أن المبادرة الآن بيد القوات المسلحة باعتبارها الآن منتصرة في هذه المعركة، وهي التي سترسم الشكل المقبل في الأيام المقبلة لعملية الصراع فيما يتعلق حتى بالاتفاق مع القوى السياسية للمرحلة المقبلة لقيادة مرحلة انتقالية، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة سيكون لها القدم المعلى في هذه العملية السياسية المستقبلية.
ويردف عثمان أن قوات الدعم السريع لن يكون لها أي حظ سياسي في المرحلة المقبلة، والواقع ما بعد 15 أبريل، لن يكون كما قبلها، باعتبار أن الدعم السريع هي ليست قوى سياسية.
"القوات المسلحة قادرة على هزيمة التمرد"
في غضون ذلك، أكد موفد الفريق أول البرهان إلى القمة العربية في جدة دفع الله الحاج الجمعة، أن "القوات المسلحة قادرة على هزيمة التمرد ولا مجال للتشكيك فيها".
وكان النزاع في قلب محادثات القادة والملوك العرب خلال القمة العربية في السعودية، وقد حثوا الجنرالين المتحاربين في السودان على وقف القتال وأعربوا عن دعمهم لمحادثات تجري في جدة بين طرفي الحرب في السودان.
وثمة مبادرات وساطة أخرى يقودها جنوب السودان والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد). لكنها لم تثمر حتى الآن.
وقد احتج السودان على زيارة قام بها مبعوث لدقلو إلى جوبا حيث أجرى محادثات مع الرئيس سلفا كير وممثلين عن إيغاد. في المقابل دافع جنوب السودان عن وساطته وأكد "دوره غير المنحاز" لوضع حد للنزاع في السودان.
ورفعت الأمم المتحدة التي تحصي أكثر من مليون نازح سوداني جراء النزاع الأخير هم 843 ألفًا نزحوا داخل السودان، و250 خارجه، قيمة الأموال التي تحتاجها لمساعدة السودان مؤكدة أنها تسعى لجمع 2,6 مليار يورو.
وأعلن مسؤول الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث تخصيص 22 مليون دولار من صندوق طوارئ تابع للأمم المتحدة لمساعدة السودانيين الذي فروا إلى البلدان التي لها حدود مع السودان.
وفيما تخشى الدول المجاورة عدوى الاقتتال، أعلنت الولايات المتحدة الجمعة مساعدة قيمتها 103 ملايين دولار للسودان ودول الجوار لمواجهة الأزمة الإنسانية.
منذ اندلاع الحرب في 16 أبريل/ نيسان، أوقعت المعارك قرابة ألف قتيل وأدت إلى نزوح ولجوء أكثر من مليون سوداني، وبات أكثر من نصف السكان، بحاجة إلى مساعدة إنسانية، وفق الأمم المتحدة.