الخميس 21 نوفمبر / November 2024

ذراع الكرملين و"ذهب السودان الضائع".. ما علاقة مجموعة فاغنر بحميدتي؟

ذراع الكرملين و"ذهب السودان الضائع".. ما علاقة مجموعة فاغنر بحميدتي؟

شارك القصة

"العربي" يسلط الضوء على مجموعة فاغنر وعلاقتها بحميدتي وذهب السودان الضائع (الصورة: غيتي)
مع تفجر الأوضاع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، ماذا نعرف عن علاقة الأخير بمجموعة فاغنر؟

من أوكرانيا إلى سوريا وليبيا والسودان ومناطق عدة في القارة الإفريقية، يبرز اسم مجموعة "فاغنر" ليس فقط في النزاعات والحروب بل في ما يخص السيطرة على الأرض ومقدراتها، على غرار ذهب السودان "الضائع".

ومع تفجر الأوضاع في الخرطوم ومناطق أخرى من البلاد، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، إليكم ما نعرفه عن علاقة "فاغنر" بهذا الأخير، في سياق نشأة وتطور المجموعة العسكرية الخاصة التي تُعد سلاح زعيم الكرملين لبسط نفوذه بأقل تكلفة.

لمَ "فاغنر" وما هي هذه المجموعة المتهمة بنشر الفوضى في أوكرانيا والعالم، وكيف تحول موقف الكرملين من التنكر منها علنًا إلى احتوائها؟

موسيقي ألماني وتسجيل في الأرجنتين

بالبحث عن الاسم على محرك البحث، قد يظهر اسم الموسيقي الألماني المفضل لدى هتلر "ريتشارد فاغنر" ولم يكن الأمر مصادفة. 

فعندما أراد ضابط الاستخبارات العسكرية الروسية السابق ديمتري أوتكين، وعمره واحد وخمسون عامًا، تأسيس مجموعة عسكرية خاصة عام 2014، اختار لها اسم فاغنر تيمنًا بالموسيقار الألماني.

وهذه المجموعة التي أُنيط بها أداء مهام عسكرية أمنية في أنحاء العالم، تضم قادة عسكريين سابقين ومرتزقة يعملون سرًا لصالح الكرملين. 

على الأرض، يتمركز مقاتلوها في معسكر تدريب في قرية مولكينو الروسية، وهي القرية نفسـها التي تقع فيها منشأة تدريب تابعة لأحد ألوية القوات الخاصة التابعة للاستخبارات العسكرية الروسية.

لكنّ الصدمة، أنّ شركة فاغنر لم تكن موجودة قانونيًا في روسيا، بل كانت مسجّلة رسميًا في الأرجنتين نظرًا إلى أن القانون الروسي يحظـر الشركات العسكرية الخاصة.

القانون نفسُـه انتقده بوتين ضمنيًا عندما كان رئيسًا للوزراء عام 2012، ودعا إلى تقنين مثل هذه الشركات، ووصفَـها بأنها "أداة لتنفيذ المصالح الوطنية دون مشاركة مباشـرة من الدولة".

ومن أفضل من "طبّاخ بوتين" يفغيني بريغوجين ليقوم بالمهمة السرية، وهو الرجل الذي جمع بين الولاء والعقلية الإجرامية؟

حيثما تكون مصالح روسيا تكون فاغنر

بالعودة إلى عام 2014، كان الظهور الأول لمرتزقة فاغنر حين اشتعل الصراع في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا. 

حينها اصطفوا مع الانفصاليين المدعومين من روسيا، وقاموا بدور كبير في تمكين هذه الأخيرة من ضمّ شبه جزيرة القرم في العام نفسه. 

ومنذ ذلك الحين، عملت فاغنر على تجنيد المرتزقة لإرسالهم في مهام عسكرية سرية إلى الخارج، فتوسعت رقعة تحركات مقاتليها لتشمل سوريا، حيث ظهروا في ميادين المعارك منذ بداية عام 2015 إلى جانب قوات الجيش الروسي. 

كما سيطروا على حقول النفط بموجـب عقود مع شركة البترول العامة المملوكة للنظام السوري لتأمين حقول الغاز والنفط، وساهموا في قلب موازين القوى لصالح النظام السوري.

في ليبيا مدّت قوات فاغنر يد العون لقوات خليفة حفتر في محاولته الاستيلاء على العاصمة الليبية طرابلس عام 2019.

ومن ليبيا إلى السودان امتدّت ذراع بوتين الطولى، "فاغنر"، حيث بدأت عملياتها عام 2017، بعد اجتماع في منتجع سوتشي الساحلي الروسي بين الرئيس السوداني حينها عمر البشير ونظيره الروسي.

يومها تفاوض الرجلان بشأن بناء قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر، ولكن ما تم التوقيع عليه هو اتفاقات للتنقيب عن الذهب.

وفي غضون أسابيع، بدأ الجيولوجيون وعلماء المعادن الروس في الوصول إلى السودان. تبعهم مسؤولون في وزارة الدفاع الروسية. أما فاغنر فقد عملت تحت غـطاء شركات وهمية مع اندلاع الاحتجاجات العارمة في السودان نهاية عام 2018.

أفاد تقرير صحفي بأن عبد الرحيم حمدان دقلو وصل إلى موسكو إلى جانب عسكريين سودانيين بارزين في أبريل 2019 - تويتر
أفاد تقرير صحفي بأن عبد الرحيم حمدان دقلو وصل إلى موسكو إلى جانب عسكريين سودانيين بارزين في أبريل 2019 - تويتر

وفي أبريل/ نيسان 2019، لفظ نظام البشير آخر أنفاسه ليجد الروس أنفسـهم أمام حكام جـدد للخرطوم، ولتصل بعدها بأسبوع طائرة فاغنر إلى العاصمة السودانية تحمل وفدًا من كبار المسؤولين العسكريين الروس. 

وبحسب تحقيق لصحيفة "نيويورك تايمز"، عادت الطائرة إلى موسكو محملة بعسكرين سودانيين بارزين؛ من بين هؤلاء "عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي حميدتي".

في الجهة الأخرى، وبالتحديد في منطقة غنية بالذهب على بعد 320 كيلومترًا شمال الخرطوم، تقع منطقة تسمى "العبيدية" وتضم مصنعًا يخضع لحراسة مشددة يسميه سكان المنطقة "الشركة الروسية". 

لكنها ليست مجرد شركة، بل واجهة لفاغنر. وقد حصلت المجموعة على امتيازات التنقيب والتعدين في السودان، الذي يعدّ ثالث أكبر منتج للذهب في القارة الإفريقية، الأمر الذي سيعزز مخزون الكرملين من الذهب البالغ 130 مليار دولار، بينما تدعم فاغنر مساعي الكرملين لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر في بورتسودان.

توسع مجموعة فاغنر في القارة الإفريقية

ولم يتوقف توسّع مجموعة فاغنر في إفريقيا عند حدود السودان، إذ امتدت أذرعـها إلى نحو 12 دولة إفريقية على رأسها مالي، التي دُعيت إليها فاغنر من حكومة مالي نفسـها بزعم "توفير الأمن في مواجهة الجماعات المتشددة".

لكنّ الجرائم الأبشع كانت في إفريقيا الوسطى، حيث اتهمت الأمم المتحدة والحكومة الفرنسية فاغنر بارتكاب عمليات اغتصاب وسطو استهدفت مدنيين. ومن جراء ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليها.

ولم تكن أراضي تلك الدول سوى مسرح كبير للتدريب على القتال والعمليات المعقدة، قبل ظهور فاغنر البارز في الخطوط الأمامية في الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ حققت انتصارات عسكرية في منطقة دونباس. 

وكذلك برز يفغيني بريغوجين لاعبـًا رئيسيًا في المعركة مزيلًا الغموض عن هويته زعيمًا وممولًا لفاغنر.

بريغوجين أكد الشكوك بشأن علاقة المجموعة بالكرملين، لا سيما وأن رجل الأعمال الروسي الذي يمتلك إمبراطورية مطاعم كبيرة في روسيا تجمعه علاقة وثيقة ببوتين شخصيًا، والذي كان بدوره يتردد على مطاعمه برفقة كبار المسؤولين والزعماء.

وقد أثمرت تلك العلاقة حصول إحدى شركات بريغوجين على عقود بملايين الدولارات لتقديم وجبات الطعام في المدارس الحكومية.

والمفارقة أن الرجل لديه تاريخ حافل بـ "السرقة والإجرام" رافقه منذ سن المراهقة، بعد 10 سنوات قضاها في السجون. 

لدى بريغوجين تاريخ حافل بـ "السرقة والإجرام" رافقه منذ سن المراهقة - رويترز
لدى بريغوجين تاريخ حافل بـ "السرقة والإجرام" رافقه منذ سن المراهقة - رويترز

ولعل خلفيتـه الإجرامية هي التي قادته إلى السـجون الروسية، لتجنيد السجناء ومساومتهم للحصول على الحرية مقابل المشاركة في القتال في أوكرانيا مدة 6 أشهر.

وفي الآونة الأخيرة ظهر بالفعل وهو يهنئ أول مجموعة من المحكومين حصلوا على عفوٍ رسمي موقـّع من بوتين.

وبينما تزايدت أعداد مرتزقة فاغنر بنحوٍ متسارع في أوكرانيا، قدّرت كل من الحكومة البريطانية ومجلس الأمن القومي الأميركي عددهم بـ 50 ألف مقاتل؛ أُدين 80% منهم في جرائم قبل استخدامهم وقوداً للحرب، بحسب بعضِ التقارير.

كما قُدّرت النفقات الشهرية للمجموعة بـ100 مليون دولار، إذ يتقاضى مقاتلو فاغنر أجرًا أعلى من جنود الجيش الروسي، ما يؤكد وجود تمويل حكومي كبير، وفق بعض المراقبين. 

وعقب افتتاح أول مقر لها في مدينة سان بطرسبورغ في أواخر عام 2022، أصبح لفاغنر وجود وتمثيل علني ورسمي على الأراضي الروسية بعد سنوات في الخفاء.

هيمنة تشكل مصدر إزعاج للكرملين

بموازاة ذلك، يبدو أن صعود مجموعة فاغنر وهيمنتها في أرض المعركة أصبحا يشكلان مصدر إزعاج للكرملين، في ظل تشكل جـناحين عسكريين متمثلين في الجيش الروسي بقيادة وزير دفاعه سيرغي شويغو، ومجموعة فاغنر بقيادة بريغوجين.

وقد ظهر هذا الخلافُ واضحًا في يناير/ كانون الثاني الماضي، حين أعلنت وزارة الدفاع الروسية السيطرة على بلدة سوليدار الأوكرانية دون أي إشارة إلى قوات فاغنر في إعلانها. 

في المقابل، أعلن بريغوجين حينها النصر بطريقته ونسب الفضل إلى مجموعته، لتضطر وزارة الدفاع الروسية إلى تعديل بيانها والاعتراف بدور فاغنر في الإنجاز. 

ولم يكن الخلاف الذي ظهر في العلن الأول ولا الأعنف، إذ تطاول زعيم فاغنر في تصريحات سابقة على مسؤولي وزارة الدفاع في جـرأة غير مسبوقة بلغت حد اتهامهم بـ"الخيانة" ووصفـهم بـ"عدم الكفاءة". كما شمـلت انتقادات بريغوجين وزير الدفاع نفسه ورئيس الأركان.

وينظر كثيرون إلى تعيين فاليري غيراسيموف قائدًا للقوات الروسية في أوكرانيا، بدلًا من سيرغي سوروفيكين الذي يُعد المفضل لدى بريغوجين، على أنها محاولة من بوتين لتقليص حجمه والحد من نفوذه، إذ يجب على فاغنر ألا تتجاوز حدودها في  كل الأحوال بمحاولة التحول من موقع التنفيذ إلى اتخاذ القرار. وربما تحوّلـها لاحقًا إلى خصم سياسي محتمل.

ولا يعدو وجودها في أوكرانيا كونه محاولة من موسكو للتمويه والتقليل من شأن خسائرها في المعركة. 

دوليًا، ورغم أهمية وجود فاغنر لخدمة أجندة الكرملين الخارجية، تبرز ضرورة الحفاظ على مـسافة بينها وبين الدولة للنأي بالنفس عن أي تجاوزات وفظائع قد يرتكبها مقاتلوها، خصوصًا بعد تصنيفها "منظمة إجرامية دولية" في لوائح البيت الأبيض.

كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على بريغوجين لدوره في فاغنر. وقبل ذلك فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية؛ لدور إحدى شركاته التي تعرف باسم "وكالة الأبحاث على الإنترنت" في التأثير بالانتخابات الأميركية عام 2016.

لذلك لا يتوقف وزير الخارجية الروسي عن التأكيد أنّ الجمهورية الروسية ليست لها أي علاقة بفاغنر.

هكذا يبدو أن القوة المتزايدة لهذه المجموعة قد بعثرت أوراق القيادة الروسية، لا سيما بعد إعلان  زعيم فاغنر أن لديه طموحات لتحويل شركته العسكرية الخاصة إلى "جيش أيديولوجي"، فضلًا عن خلافات الرجل مع القادة العسكريين الروس.

وفي ظل تحذيرات عالمية من خطر هذا النوع من المجموعات العسكرية مستقبلًا، تطرح الأسئلة عما إذا ستشكل فاغنر تهديدًا لبوتين مستقبلًا أم أنها ستبقى في جـلباب الكرملين إلى الأبد.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close