تفشّي جدري القرود في إفريقيا.. هل يُمكن منع تحوّله إلى وباء عالمي؟
مع الارتفاع الكبير في حالات جدري القرود، أعلنت الهيئة الصحية التابعة للاتحاد الإفريقي حالة الطوارئ الصحية العامة (أعلى مستوى من التأهب)، في القارة السمراء التي يتفشّى فيها المرض، داعية إلى "التحرك" للحد من انتشاره.
يأتي ذلك، فيما تجتمع لجنة الطوارئ التابعة لمنظمة الصحة العالمية اليوم الأربعاء، لتقييم ما إذا كان سيتمّ إعلان أعلى مستوى من التأهب لمواجهة الوباء.
وتفشّت سلالة فتّاكة من مرض جدري القرود في 16 دولة إفريقية بشكل سريع جدًا، مع تسجيل 15132 حالة إصابة مؤكدة في إفريقيا منذ بداية عام 2024.
وفي هذا الإطار، أوضحت عالمة الفيروسات شيريل والتر لموقع "ذا كونفرزيشن" بعض الأسباب التي تجعل تفشّي جدري القرود مثيرًا للقلق الشديد.
ما هو عدد سلالات جدري القرود الحالية؟
وجدري القرود هو أحد أنواع فيروسات الجدري، مثل جدري الماء وجدري البقر، ويتميّز بطفح جلدي يتبعه نتوءات تظهر على الجلد. لكن في حال جدري القرود، تمتلئ النتوءات بالسائل وتنتهي في النهاية بالجرب.
وعلى غرار الفيروسات الأخرى التي تتغيّر وراثيًا، تتحوّر فيروسات جدري القرود ولكن بشكل أبطأ بكثير مقارنة بالفيروسات الأخرى، مثل فيروس نقص المناعة البشرية.
وهناك نوعان من سلالات "أمبوكس": السلالة الأولى، والسلالة الثانية.
حتى ما قبل ست سنوات ماضية، لم تكن السلالتان متنوعتان إلى هذا الحد. لكنّ شيئًا ما تغيّر، ونمت هاتان السلالتان وتعدّدت فئاتهما. وأصبح هناك متحوران جديدان لكل منهما.
ما هي السلالة التي يجب أن نقلق بشأنها؟
وتُعتبر السلالة الثانية أقلّ خطورة بكثير، حيث يبلغ معدل الوفيات حوالي 0.1٪، بمقدار وفاة واحدة تقريبًا من كل ألف.
بينما تُسجّل السلالة الأولى التي تمّ الإبلاغ عنها في 16 دولة افريقية، نسبة وفيات تتراوح بين 3% إلى 4%، أي وفاة بين ثلاثة أو أربعة أشخاص من كل 100 حالة، والعديد من الحالات هم من الأطفال.
وحتى وقت قريب، لم يكن فيروس "امبوكس" مدروسًا نسبيًا، إذ كان هناك عدد قليل من الحالات المؤكدة سنويًا، في مناطق الغابات المطيرة الاستوائية في وسط وغرب أفريقيا.
وكانت فرصة الفيروس للتكيف مع المضيف البشري ضئيلة للغاية. ولم تُعرف بعد ما إذا كانت التغيرات الجينية تجعل هذه الفيروسات تنتشر بسهولة أكبر، وما إذا كانت المتغيّرات المنتشرة أكثر خطورة.
لكن المؤكد هو أنّ الفيروس يتغيّر وينتقل بين الكثير من الأشخاص. ولا يمكن للفيروسات أن تتحوّر إلا عندما تمر عبر مضيف مثل الإنسان. وكلما ارتفع عدد الإصابات، زادت فرصة تحوّر الفيروس، وربما يصبح أكثر ضراوة أو أكثر قابلية للانتقال.
كيف ينتشر جدري القرود إلى مناطق جديدة؟
ينتشر فيروس "امبوكس" عن طريق الاتصال مثل مشاركة الأواني والأطباق والمناشف والفراش، ويُعتبر الأطفال والنساء الفئة الأكثر تأثرًا بسبب الاتصال الجسدي.
كما ينتشر بسهولة في المناطق المكتظة بالسكان ومنخفضة الدخل، حيث لا يمكن للأشخاص عزل أنفسهم ،لأنّه يتعيّن عليهم الحصول على دخل.
وهناك سببان آخران للانتشار السريع لجدري القرود، وهما فترة الحضانة الأطول والأعراض الغامضة. وتتراوح فترة الحضانة على نطاق واسع من 5 إلى 21 يومًا. ويُمكن أن يُصاب الشخص بفيروس "اموبوكس" خلال هذه الفترة، ويسافر إلى بلد آخر وينقل المرض للآخرين.
أما بالنسبة للأعراض الأولية، فهي غامضة وتشمل تورّم الغدد والحمى والشعور بالإرهاق. وتُشير التقديرات إلى أنّ 10% من الأشخاص المصابين بفيروس الجدري لا تظهر عليهم أعراض.
كما أنّه عند ظهور الطفح الجلدي، يتم الخلط بينها وبين جدري الماء أو أحد الأمراض المعدية الأخرى التي تُصيب الأطفال.
ما هي التدابير الطارئة التي يجب اتخاذها لضمان عدم تحوّل جدري القرود إلى جائحة؟
تُعاني وكالات الصحة الإفريقية من ندرة الموارد لمكافحة المرض، بينما تُشكّل نقص اللقاحات مشكلة كبيرة. وتُقدّر المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض أنّ هناك 200 ألف جرعة فقط متاحة للدول الأفريقية مقارنة بطلب لا يقلّ عن 10 ملايين جرعة.
ورغم ذلك، لا يزال هناك الكثير من الإجراءات التي يُمكن القيام بها، ومنها:
1- الاختبارات وهي الأداة الأولى في المعركة. هناك حاجة إلى معرفة مكان تواجد الإصابات، واستخدام البيانات لتتبع جهات الاتصال، وذلك من خلال اختبارات التدفق الجانبي البسيطة باستخدام مسحة من الأنف و/أو الحلق والتي تعطي النتائج في غضون 30 دقيقة.
2- التواصل مع الجهات الفئات الأكثر تعرضًا للإصابة: خلال التفشّي السابق للمرض في جميع أنحاء العالم، تمّ توجيه الكثير من الرسائل إلى العاملين في مجال الجنس. ونتيجة لذلك، ربما اعتقد الناس أن هذا مجرد مرض ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي.
لكن مع إصابة النساء والأطفال بالفيروس، يجب إخبار المجتمعات بالأعراض التي يجب مراقبتها، والإجراء الذي يجب اتخاذه.
3- التلقيح: نظرًا لتشابه الفيروسين إلى حد كبير، يُمكن استخدام لقاح جدري الماء لعلاج جدري القرود. ومع ذلك، هناك مخزونات محدودة ولا يمكن تصنيع لقاحات بالسرعة الكافية. وقد دعت منظمة الصحة العالمية للموافقة على اللقاحات المرشّحة وتوزيعها بسرعة.
ويجب اتخاذ هذه التدابير وغيرها على وجه السرعة لاحتواء هذا الوباء وقمعه، قبل أن يصبح وباءً عالميًا.