في سجن اسم العائلة، يعيش الآلاف من أفراد العائلات العربية في ألمانيا، بعدما وضعتهم الشرطة في قفص اتهام، على خلفية جرائم لم يرتكبوها ولا ذنب لهم فيها.
فبتهمة اسم العائلة، يعيش هؤلاء الوصم والعزلة والحرمان من الفرص العادلة في الحياة، في بلد لا يعرف الكثير منهم وطنًا غيره أصلاً، وقد أتوا إليه منذ أكثر من 30 عامًا.
يقول هؤلاء إنّهم باتوا "معزولين عن المجتمع"، بل إنّ الألمان عندما يدركون "اسم عائلتهم" ينظرون إليهم "نظرة دونيّة" بصورة تلقائية.
وإذا كان "اسم العائلة" هدر الحقوق المدنية لهؤلاء، وعرّضهم لشتى أشكال العنصرية، تُطرَح سلسلة علامات استفهام: فكيف يعيش مجتمع العوائل العربية في ألمانيا؟
وأكثر من ذلك، كيف انعكست الأحكام المسبقة على حياتهم، وهل سينفّذ ضدّهم قرار الترحيل الذي تهدّدهم به السلطات الألمانية؟
العنصرية.. وجه لبرلين لا يراه كثيرون
يشكو الكثير من أفراد العائلات العربية في ألمانيا من العنصرية التي تُمارَس بحقّهم، فقط بسبب "اسم عائلتهم"، ومن دون أيّ مسوّغ أو مبرّر.
من هؤلاء، حسام الزين ذو الـ22 عامًا، من الجيل الثالث المهاجر إلى ألمانيا، وهو الملاكم من أصل لبناني، الذي يرى وجهًا لمدينته برلين قد لا يراه الكثيرون.
يقول الزين: "أنا ألعب الملاكمة منذ كان عمري 10 سنوات. لقد ربحت 93 مباراة من أصل 95، من ضمنها 20 بطولة دولية".
لكنه يضيف: "عندما أتدرّب هنا في برلين على الملاكمة يكون كلّ شيء على ما يرام، إلى أن يعرفوا لقبي أو لقب عائلتي، فتتحول الأشياء كلها إلى مشاكل، ويبدأ الخوف يراودني وتنعدم الثقة بيننا".
من جهته، يروي سعد الدين الزين، وهو أيضًا أحد ضحايا اسم العائلة في ألمانيا، أنه قدّم على الجنسية على مرحلين، إلا أنّ الموظف المسؤول ادّعى عليه بتزوير أوراق رسمية. ومع أنّه نال الحكم بالبراءة بعد سنتين على تلك الواقعة، إلا أنّه حُرِم طيلة هذه المدّة من فرصته.
"نظرة دونية" لأفراد العائلات العربية
يُعَدّ الملاكم حسام الزين وأبو أحمد الزين من ضحايا اسم العائلة التي ارتبطت باسم عرّاب الجريمة في ألمانيا محمود الزين المتهم بارتكاب جرائم في عدد من المدن الألمانية والذي رُحّل إلى تركيا بأمر قضائي.
لكنّ السجلّ الجنائي لحسام وأبو أحمد يخلو بالمُطلَق من الجرائم الجنائية، وهو ما تؤكده وثيقة حصل عليها "العربي" من الشرطة الألمانية تثبت عدم وجود أي سجل جنائي لأبو أحمد. لكن، على الرغم من ذلك يعيش أبو أحمد في دائرة من الاتهامات بسبب اسم العائلة، وهذا ما انعكس أيضًا على أبنائه، كما يروي بحرقة وحسرة.
وفي هذا السياق، يقول الملاكم حسام الزين في حديثه لـ"العربي": "يتصرف الناس معي وكأنني أريد أن أسرق منهم شيئًا أو أريد أن أضربهم. يظنّون أنني أريد أن أمارس العنف تجاههم أو أرتكب جريمة، فهم ينظرون إلى العائلة سواسية وبنظرة واحدة".
ويضيف: "كلّ إنسان لديه أخطاء في حياته، ولكن يجب ألا ننظر إلى هذا الخطأ وكأن العائلة كلها قد ارتكبته. لقد قدّمت على العمل في كثير من الأماكن، ولكن دائمًا ما كان يأتيني الرفض بمجرد أن يسمعوا اسم عائلتي. يقولون لي فورًا وداعًا فهم لا يحبّون اسم عائلتي".
حجم الجريمة في أوساط العشائر العربية في ألمانيا
هكذا، يدفع عشرات الآلاف ممّن ينتمون إلى العوائل العربية في ألمانيا ثمن جرائم يرتكبها أفراد ينتمون إلى مجتمعهم.
ففي كبرى المدن الألمانية وبالأخص العاصمة برلين، تتشكّل مجتمعات موازية لهذه العشائر، حيث تسهل العزلة والتهميش على من يعملون بالجريمة المنظّمة، على قلّتهم، مهمّة فرض السيطرة على الأحياء التي يعيشون فيها.
وفي النتيجة، تصير سمعة تلك المناطق ومن فيها مرتبطة بجرائم منها تبييض الأموال والسرقة وتجارة السلاح وغيرها.
لذلك، تواصل "العربي" مع الشرطة الألمانية للحصول على صورة دقيقة عن حجم الجريمة في أوساط العشائر العربية وما تقوم به الشرطة للحد منها.
ومع أنّهم طلبوا منّا إرسال الأسئلة عبر البريد الإلكتروني لكنهم عادوا إلينا بإجابة غير وافية: "لا يمكننا إجراء تقييم أو تقديم أي معلومات حول هذا الأمر".
وبحسب إحصائية صادرة عن مكتب مكافحة الجريمة التابع للشرطة الألمانية، فإنّ عدد الجرائم المنظمة التي وقعت في البلاد كان 836 جريمة، من بينها 270 جريمة نفّذها أشخاص من أصول عربية.
عائلات "تحت مجهر" السلطات في ألمانيا
بدأ تواجد العائلات العربية في ألمانيا منذ الحرب الأهلية اللبنانية، حيث قدم المئات هربًا من الحرب وعاشوا في ألمانيا، في ظروف صعبة في بداية الأمر.
من بين هؤلاء كان عميد عشيرة فخرو "أبو خضر" الذي يعتبره الإعلام الألماني الشخصية الغامضة، ويُتهَم بسنّ قانون خاص بين أفراد عشيرته، وهو ما ينفيه جملة وتفصيلاً.
يذكّر بـ"قصّة" حصلت معه عام 1987، ذهب "ضحيتها" على ما يقول، إلا أنّه يلفت إلى أنّ المشكلة أنه لا يزال إلى اليوم يدفع ثمنها، رغم أنّه نفذ الحكم الذي صدر بحقه بالكامل.
الأمر نفسه يؤكد عليه عضو مجلس بلدية أيسن الألمانية أحمد عميرات، الذي تابع عن كثب عددًا من الحوادث التي وضعت عائلات مثل الزين تحت مجهر السلطات في ألمانيا.
يعتبر عميرات أنّ ملاحقة أي شخص بسبب اسم عائلته الشخصية هو تمييز، يعرّض كثيرين للأذى من دون ذنب، في حين أن المجرم الحقيقي لا يتأثر لأنه ليس مندمجًا في المجتمع أساسًا.
من جهته، يلفت رئيس جمعية اتحاد العائلات اللبنانية في ألمانيا جمال سليمان إلى أنّ "عدد العائلات الموجودة في ألمانيا يتجاوز 200 ألف"، مشدّدًا على أنّ بعضها، كعائلة الزين وفخرو وعميرات، تنال حصّة الأسد من التركيز في الصحف والجرائد.
قانون لـ"ترحيل" أقارب العائلات العربية
تصل العنصرية إزاء العشائر العربية في ألمانيا إلى السياسيين، ففي السادس من أغسطس/ آب 2023، قدّمت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر مقترحًا لسنّ قانون لترحيل أقارب العائلات العربية "الإجرامية"، حتى لو كان سجلّهم الجنائيّ خاليًا من الجرائم.
وفيما يعتبر أحمد عميرات أنّ هذا الطلب لا يترجم لا بالفكر الإنساني ولا بالقانون الألماني، يعطيه أبعادًا "انتخابية وشعبوية"، ليُطرَح السؤال عن "المسؤولية" في التعاطي مع اللاجئين.
في هذا السياق، يؤكد المتحدث باسم نقابة الشرطة الألمانية بنيامين ياندرو أنّ غالبية الناس الذين لجأوا إلى ألمانيا "ليسوا مجرمين"، لكنه يشير إلى أنّ "عدد المجرمين في المنطقة العربية أصبح كبيرًا، وهو في تزايد دائم، وهنالك عدد كبير منهم مسؤولون عن عدد كبير جدًا من الجرائم".
مع ذلك، يلفت إلى "أمثلة إيجابية أكثر بكثير، حيث نجح العديد منهم في الاندماج داخل المجتمع الألماني". ويضيف: "في السبعينيات والثمانينيات كانت لدينا مشاكل كبيرة في دمج هؤلاء الناس، وتمّ التسامح معهم، ممّا يعني أنّ الدولة أيضًا لها نصيب معيّن من اللوم، لأن عملية الاندماج لم تكن ممكنة في ذلك الوقت".
أما مدير منظمة جوز لأبحاث الهجرة والاندماج عبد العزيز رمضان، فيلفت إلى أنّ "الإعلام الألماني باستطاعته أن يلعب دورًا سلبيًا جدًا بالنسبة للمجتمعات غير الألمانية الموجودة في ألمانيا أو دورًا إيجابيًا". وإذ يقرّ بأنّ هناك حالات تمييز عنصري تحصل في ألمانيا، يشدّد على أنّ التمييز الذي يحصل لعشائر معينة أو بأسماء معينة غير مقبول حسب الدستور الألماني، وبإمكان من يتعرّضون له رفع شكوى بحسب القوانين الألمانية.
كيف يعيش مجتمع العوائل العربية في ألمانيا، ولماذا يدفعون ثمن "اسم العائلة"، وكيف انعكست الأحكام المسبقة على حياتهم، وهل سينفّذ ضدّهم قرار الترحيل الذي تهدّدهم به السلطات الألمانية؟ الإجابات وأكثر تجدونها في الحلقة المرفقة من "عين المكان".