ترتفع وتيرة النبرة السياسية في إسرائيل باتجاه التصعيد مع "حزب الله"، وسط تصاعد المواجهات التي بدأت في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد يوم من بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
فبينما قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إنّه يجب احتلال أجزاء من لبنان بهدف إنشاء منطقة عازلة، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من كريات شمونة، أنّ تل أبيب مستعدّة لـ"عملية قوية للغاية في الشمال".
كما أشار رئيس الأركان هرتسي هليفي خلال زيارته للجبهة الشمالية، إلى أنّ تل أبيب تقترب من النقطة التي يتوجّب فيها اتخاذ القرار.
وترافقت هذه التصريحات مع تدريبات لجيش الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ مشروع محاكاة لاجتياح جغرافية تُشبه الجنوب اللبناني.
وذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أنّ هذا يأتي في إطار تطوير إستراتيجية إسرائيلية قتالية جديدة تحكمها عوامل عدة أبرزها: التكنولوجيا الإسرائيلية المتطوّرة، والقدرة على توجيه ضربات برية وجوية من خلال الدمج بين سلاح الطيران والمشاة.
من جهتها، كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" استخدام إسرائيل قنابل فوسفورية محرّمة دوليًا في استهدافها لبلدات لبنانية حدودية.
"حزب الله" مستعدّ لكل السيناريوهات
في المقابل، أعلن "حزب الله" استعداده لكل السيناريوهات، حيث استهدف بالصواريخ تجمعًا للجنود في حرفيش، ومنظومة القبة الحديدية في راموت نفتالي، تزامنًا مع تصعيد في وتيرة عملياته بالشمال.
وتبنّى الحزب هذا الاتجاه منذ الثامن من أكتوبر، حين أعلن أنّه يخوض معارك إسناد للمقاومة في غزة من حيث نوعية الأهداف وعمقها الإستراتيجي.
وأمام هذا التصعيد، تُبدي الولايات المتحدة قلقها من تصاعد التوتر، مع التشديد على عدم الرغبة في الذهاب إلى صراع على مستوى إقليمي.
محاولة فاشلة لإظهار نوع من الردع ضد "حزب الله"
وفي هذا الإطار، اعتبر الدكتور مهند مصطفى الباحث في "مركز مدى الكرمل"، أنّ التهديدات الإسرائيلية هي جزء من محاولة فاشلة لإظهار نوع من الردع ضدّ "حزب الله".
وقال في حديث إلى "العربي" من حيفا، إنّ إسرائيل تعلم جيدًا محاذير الذهاب إلى عملية عسكرية واسعة أو إعلان حرب على "حزب الله" في لبنان، مضيفًا أنّ هذه المحاذير تتعلّق في قدرة إسرائيل على تحمّل حرب جديدة بعد 8 أشهر على الحرب على غزة.
وأشار إلى أنّ الذهاب إلى حرب شاملة مع لبنان يعني إدخال أكثر من نصف مساحة إسرائيل إلى ساحة حرب في ظل حالة غير مسبوقة من تعطيل وشلل الاقتصاد الإسرائيلي.
وأضاف أنّ المجتمع الإسرائيلي المتعب حاليًا من الحرب على قطاع غزة ليس جاهزًا لعملية عسكرية واسعة وحرب واسعة مع "حزب الله" تشمل عملية اجتياح بري للبنان.
هل يُغامر القادة الإسرائيليون بالحرب؟
بدوره، أشار الخبير العسكري والإستراتيجي إلياس فرحات إلى أنّ التطوّر الكمّي والنوعي في عمليات "حزب الله" ضد الاحتلال الإسرائيلي بدأ منذ اجتياح تل أبيب لرفح، لكنّه التزم بقواعد الاشتباك ولم يتعدّى العمق الإسرائيلي، وبعدم قصف أهداف مدنية.
وقال فرحات في حديث إلى "العربي" من بيروت، إنّ "حزب الله" صعّد من نوعية الأسلحة وقدرتها التدميرية وخاصّة صواريخ بركان، إضافة إلى أسراب المسيّرات الانتحارية الانقضاضية، ناهيك عن توقيت العمليات.
ورأى أنّ حسابات "حزب الله" تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، أي أنّه إذا أرادت إسرائيل التصعيد نحو الداخل اللبناني، فإنه سيضرب الداخل الإسرائيلي على غرار حيفا وتل أبيب وهرتسيليا.
وأوضح أنّ هذا التصعيد يعني الحرب التي ستكون لها أضرار كبيرة في الجانبين، متسائلًا: "هل سيُغامر القادة الإسرائيليون بتعريض ما تبقّى من مناطق الداخل الإسرائيلي إلى دمار على غرار مناطق غلاف غزة؟".
اتساع رقعة الحرب إلى لبنان "كابوس" لواشنطن
من جهتها، رأت كارولين روز رئيسة معهد "نيولاينز" للإستراتيجيات والسياسات، أنّ التصعيد بين لبنان وإسرائيل هو مصدر قلق كبير للإدارة الأميركية ويُعارض ما تريده واشنطن في الشرق الأوسط.
وقالت روز في حديث إلى "العربي" من نيويورك، إنّ اتساع رقعة الحرب من غزة إلى لبنان يُمثّل "كابوسًا مروّعًا" للولايات المتحدة، لأنّ هذا سيؤدي إلى تحرّك الفصائل التابعة لإيران في المنطقة ويؤدي إلى مخاطر على القوات الأميركية والمسؤولين الموجودين في المنطقة، ما يساهم بتقويض الأمن القومي في الشرق الأوسط بأكمله.
ورأت أنّ إحدى الأدوات القليلة في جعبة واشنطن للضغط على إسرائيل تتمثّل في سحب مساعداتها الأمنية والعسكرية لإسرائيل.