في أجواء مشحونة بالتوتر في مدينة القدس المحتلة، نفّذ المستوطنون الإسرائيليون، يتقدّمهم وزراء وأعضاء في الكنيست "مسيرة الأعلام".
سبقت المسيرة إجراءات أمنية مشددة منذ ساعات الصباح الباكر، التي شهدت إفراغ المسجد الأقصى من المصلّين والمرابطين داخل ساحاته وإبعادهم إلى الخارج.
وشهدت أزقة البلدة القديمة وأطرافها، اعتداءات على المقدسيين من قبل المتطرّفين اليهود والقوات الإسرائيلية.
ورغم التحذيرات الإقليمية والدولية، أصرّ الإسرائيليون على تنظيم "مسيرة الأعلام"، بينما رأى مراقبون أنّ تنفيذ المسيرة، كما خُطط لها، لا يخرج عن سياق إصرار إسرائيل من خلال حكومتها اليمينية المتطرّفة في هذه الأوقات، على إثبات سعيها لتهويد مدينة القدس.
كما يُظهر إصرار تل أبيب على إعادة تشكيل وجه مدينة القدس التاريخي، وطمس هويتها الإسلامية، إضافة إلى فرض هوية يهودية عليها.
وفي خطوة تصعيدية أخرى، أقرّ الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية، قبل يوم من المسيرة، مشروع قرار يحظر رفع العلم الفلسطيني في الأماكن العامة.
هذا التوجّه قابلته منظّمات دولية عدة بالانتقاد، منها منظمة العفو الدولية التي قالت إن منع رفع العلم الفلسطيني "طمس لهوية شعب".
حملة بعنوان "ارفع علمك" رداً على مسيرة الأعلام للمستوطنين في #القدس.. والكنيست يمهد لإقرار قانون يحظر رفع العلم الفلسطيني#فلسطين @AnaAlarabytv pic.twitter.com/FXeh5DtSCN
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 18, 2023
بدورها، وصفت الخارجية الفلسطينية القرار بأنه دليل على أن نظام الحكم الإسرائيلي "يتجه نحو الفاشية".
فما هي تداعيات "مسيرة الأعلام" على الوضع القائم في القدس؟ وهل هناك احتمال لعودة التصعيد بين الجانبين؟
"إسرائيل تدفع المنطقة إلى حرب دينية كبرى"
أكد جمال عمرو، مؤرخ وباحث مختصّ في شؤون القدس، أنّ "مسيرة الأعلام" هي بهدف عسكري ومضمون عسكري وتعود في أصلها لاقتحام المسجد الأقصى عام 1967.
وقال عمرو، في حديث إلى "العربي"، من القدس، إنّه منذ ذلك الوقت بدأت تتكرّر هذه المسيرة سنويًا، وأراد الإسرائيليون ترسيخ أكاذيبهم كمفهوم قومي يجمعهم، لكنهم تفاجأوا بأنّ المفهوم القومي والسياسي طغى عليه المفهوم الديني.
" قوات الاحتلال الإسرائيلي تطلق الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع على المشاركين في مسيرة الرايات الفلسطينية شرقي #غزة".. مزيد من التفاصيل مع مراسلنا 👇#فلسطين pic.twitter.com/MLesBPsBHr
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 18, 2023
وأضاف أنّ الإسرائيليين يدفعون المنطقة بشكل سريع إلى حرب دينية كبرى، إذ إنّ الإحتلال يريد ترسيخ مفهوم سيادته على القدس والأقصى بأسلوب عسكري تحت مسمّى "مسيرة الأعلام".
"فرض واقع جغرافي ديموغرافي في القدس"
من جهته، أشار رامي منصور، رئيس تحرير موقع "عرب 48"، إلى أنّ إسرائيل فرضت واقعًا جغرافيًا وديموغرافيًا في القدس المحتلّة بحيث زرعت مستوطناتها وبؤرًا استيطانية فيها، ومارست التطهير العرقي ضد أبنائها.
وقال منصور، في حديث إلى "العربي"، من حيفا، إنّ تل أبيب تحاول فرض "التقاسم الزماني والمكاني" للمسجد الأقصى، وتحويله إلى أهم معلم ديني لليهود في العالم.
قسمت المدينة إلى شطرين.. آثار النكبة لاتزال حاضرة في #القدس بعد 75 سنة تقرير: أحمد جرادات#75_ولم_ننس #فلسطين pic.twitter.com/MJY2hFlpgC
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 17, 2023
وشدّد على أنّ هذا المخطّط سيؤدي إلى حرب دينية في القدس، لكنّها لن تكون لصالح أحد إذ إنّها ستُزهق الأرواح وتؤدي إلى إراقة الدماء.
"إسرائيل فشلت بتهويد القدس"
بدوره، أوضح نائب رئيس جامعة بيرزيت والوزير الفلسطيني السابق غسان الخطيب، أنّ "تظاهرة الأعلام هي محاولة من إسرائيل لإظهار أنّها تسيطر على القدس الشرقية، للتعويض عن الفشل الذريع الذي لحق بالخطط الإستراتيجية والاستثمارات السياسية والقانونية والمالية الهائلة، التي تهدف إلى تهويد القدس وطرد سكانها وجعلها جزءًا من القدس الموحّدة، عاصمة إسرائيل الأبدية".
وأكد الخطيب، في حديث إلى "العربي"، من رام الله، أنّ تمسّك الشعب الفلسطيني، والمقدسيين بشكل خاص، بأرضهم وقدسهم لم يُمكّن إسرائيل، بعد أكثر من 50 سنة من الاحتلال والتهويد، من تحويل القدس الشرقية إلى إسرائيلية أو يهودية.
وشدّد على أنّ إسرائيل فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق أهدافها.