يشهد لبنان منذ ليل الثلاثاء احتجاجات شعبية تخللها قطع للطرقات في كل المحافظات، إضافة إلى العاصمة بيروت، بسبب تردي الوضع الاقتصادي وارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة؛ إذ ناهز العشرة آلاف ليرة للدولار الواحد.
وفي هذا السياق، قطع عشرات المحتجّين الغاضبين الطرقات بالإطارات المشتعلة والحجارة في مناطق عدة، بينها بيروت وصيدا جنوبًا وطرابلس شمالًا وفي بلدات في البقاع.
وهتف البعض "ثورة ثورة"، الهتاف الذي اعتادوا عليه خلال الاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدها لبنان ضد الطبقة السياسية كاملة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
ومنذ صيف العام 2019، على وقع الانهيار الاقتصادي الأسوأ في لبنان منذ عقود، بدأت الليرة تتراجع تدريجيًا أمام الدولار، تزامنًا مع أزمة سيولة حادة، وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار. ولا يزال سعر الصرف الرسمي يساوي 1507 ليرة للدولار الواحد.
وجاء الانخفاض القياسي في سعر الصرف وسط غياب كلي للحلول الاقتصادية، على الرغم من مرور أكثر من عام على الأزمة، إضافة إلى المراوحة السياسية والفشل المستمر في تأليف الحكومة، منذ استقالة الحكومة التي يرأسها حسّان دياب بعد أسبوع على انفجار مرفأ بيروت المروع في الرابع من أغسطس/ آب الماضي.
احتجاجات الشارع في لبنان.. "بروفة"
ويعتبر الكاتب الصحافي أمين قمورية الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت والمناطق طبيعيّة، بعد "الارتفاع الجنوني" للدولار، الذي قفز 1500 ليرة خلال أسبوع واحد.
ويعزو قمورية، في حديث إلى "العربي"، هذا الارتفاع إلى جملة أسباب وعوامل، أهمّها عدم وجود حكومة تستطيع أن تكون محل ثقة في الداخل أو الخارج، إضافة إلى طلب المصارف للدولارات من أجل تغطية مطالب مصرف لبنان، في إطار ما يسمى بالتصحيح المالي.
وإذ يرى أنّ كل الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بأزمة تشكيل الحكومة والانقسام السياسي الهائل، عوامل أسهمت في تأجيج الشارع أيضًا، يعرب عن اعتقاده بأنّ ما حصل هو مجرد "بروفة" لما يمكن أن يحصل خلال الأيام المقبلة.
لبنان.. طائرة تعطّلت محرّكاتها
ويتحدّث الصحافي اللبناني عن "صب للزيت على النار" من قبل الفرقاء السياسيين الذين يعملون لأجنداتهم الخاصة، معتبرًا أنّ "كل الأمور جعلت الوضع في لبنان أشبه بطائرة تعطلت محركاتها، ولم يعد بإمكانها الطيران؛ وبالتالي فإن الانفجار أو الارتطام في الأرض سيحصل عاجلًا أم آجلًا.
ويشير إلى أنّه "حتى لو كانت هناك حكومة، إذا لم تُجرِ إصلاحات، ولم يكن هناك محاسبة حقيقية، فإن الأمور ستستمرّ بالتهاوي"، محذرًا من أنّ "من يظنّ أنه يستطيع أن يبني على الانهيار يكون مخطئًا، لا سيّما في حال استمر الأمر على هذا المنوال".
"تجاوزنا الخط الأحمر" في لبنان
وإذ ينبّه إلى "أننا تجاوزنا الخط الأحمر"، يشدّد على "وجوب إعادة النظر في كل النظام السياسي والقضائي والاقتصادي"، معتبرًا أنّه "نظام ريعي مخيف يتيح للسارقين أن يفعلوا ما يريدون، ولذلك لا بد من تغيرات جذرية".
ويشير قمورية إلى غياب مؤشرات التغيير المطلوب، لا سيما مع وجود مشكلة داخلية كبيرة، كما أنّ لبنان ليس جزيرة معزولة، وبالتالي فإنّ ما يجري في الإقليم وعلى الصعيد الخارجي ينعكس على لبنان، ما يؤكد بأنّ أيّ "انفراجة" غير محتملة في المدى المنظور.