في تسعينيات القرن الماضي، كانت نهاية نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لكن في مكان آخر وتحديدًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يجبر الفلسطينيون على ترك أراضيهم ومنازلهم ويتم عزلهم من خلال جدران إسمنتية وحواجز عسكرية.
ولأكثر من 73 عامًا قامت إسرائيل بتهجير مجتمعات فلسطينية بأكملها قسرًا، وهدمت مئات الآلاف من منازلهم، وهجّرت ما يزيد عن ستة ملايين شخص. واليوم ما لا يقل عن 150 ألف آخر معرضون لخطر حقيقي بفقدان منازلهم وأراضيهم.
ويعتبر الفصل العنصري انتهاك للقانون الدولي العام، وانتهاك جسيم لحقوق الإنسان التي تحظى بالحماية الدولية، وجريمة ضد الإنسانية.
وبموجب القانون الجنائي الدولي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري ونظام روما الأساسي والقانون الدولي العرفي، فإن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة بالفصل العنصري تقع عندما يرتكب أي عمل لا إنساني أو وحشي وبخاصة أي انتهاك جسيم لحقوق الإنسان في سياق نظام ممأسس من القمع والهيمنة بصورة ممنهجة من جانب فئة عرقية معينة ضد فئة عرقية أخرى بقصد إدامة هذا النظام.
وهنا يلفت النظر فريد الأطرش من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إلى أن الانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال على أرض الواقع بحق الشعب الفلسطيني؛ تؤدي إلى جريمة الفصل العنصري المخالفة للقانون الدولي وميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية.
هيمنة سكانية يهودية
فقد اتبعت إسرائيل منذ عام 1948 سياسة صريحة تتمثل في إقامة وإدامة هيمنة سكانية يهودية وتحقيق أقصى حد من السيطرة على الأراضي لصالح الإسرائيليين اليهود، وفي الوقت نفسه تقليل عدد الفلسطينيين إلى أدنى حد وتقييد حقوقهم.
ومنذ ضم القدس الشرقية عام 1967 حددت الحكومات الإسرائيلية أهدافًا بخصوص نسبة السكان اليهود إلى الفلسطينيين بصفة عامة، وأوضحت من خلال تصريحات علنية أن حرمان الفلسطينيين في القدس الشرقية من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يمثل سياسة متعمدة لإجبارهم على مغادرة أراضيهم.
وفي هذا الوقت يسمح الاحتلال للمستوطنيين بالبناء ويحميهم ويعطيهم البنية التحتية ويقدم الدعم لهم، بخلاف الفلسطينيين، وفق ما يؤكد الأطرش.
وتفرض السلطات الإسرائلية منذ أواسط التسعينيات نظام إغلاق داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وبينها وبين إسرائيل، مما أخضع ملايين الفلسطيين الذين يعيشون في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة تدريجيًا لقيود خانقة.
كما سعت إسرائيل من خلال نظام الهويات المختلفة إلى إحداث خلل تقرر من خلاله مستوى حقوقهم الممنوحة لهم، عبر شبكة الحواجز العسكرية بالإضافة إلى نظام التصاريح، وتفرض قيودًا على حرية التنقل للفلسطينيين داخل أراضيهم، وتجبرهم على طلب تصاريح عسكرية لهم.
ويؤكد الأطرش أن الاحتلال لا يعترف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة الدولة، وأيضًا يقوم بمصادرة ممتلكاتهم واعتقالهم ومنعهم من التنقل والتحرك.
نموذج فلسطيني للفصل العنصري
ويلفت مصطفى البرغوثي أمين عام المبادرة الفلسطينية، إلى أن أكثر مكان في فلسطين يبدو فيه نظام الفصل العنصري (أبارتايد) الإسرائيلي، هو في "الخليل"؛ لكون المستوطنين جاؤوا إلى قلب المدينة واستولوا على بيوتها وشوارعها، وأغلقوا أكثر من ألف مكان تجاري، كما أغلقوا عشرات البيوت، فضلًا عن شنهم عمليات اعتداء يومية على المواطنين الأصليين.
وفي هذا الإطار، يؤكد أحد سكان تل رميدة في الخليل عماد الجعبري، أن من سياسة الاحتلال العنصرية، منع السكان من ممارسة حياتهم الطبيعية، وزيارة أقربائهم والأصدقاء، خوفًا من عمليات تنكيل تمارس على بعض حواجز الاحتلال، هذا فضلًا عن وضع الاحتلال أرقامًا لديه لكل شخص ويمنع المرور إذا لم يكن له رقم؛ وهذا كله في النهاية من أجل إجبار كثير من العائلات على ترك بيوتهم.
وتشكل أفغال النقل العسكري والاعتقال الإداري والتعذيب وعمليات القتل، جريمة فصل عنصري لأنها ترتكب في سياق الاضطهاد والهيمنة الممنهجة.
وأثناء مسيرة العودة الكبرى على طول الحدود بين إسرائيل وغزة، قتلت إسرائيل، أكثر من 214 مدنيًا بينهم 46 طفلًا وجرحت أكثر من 8 آلاف آخرين.
ويؤكد منذر عميره عضو اللجنة الشعبية لمناهضة الجدار والاستيطان لـ "العربي"، أن سياسة الفصل العنصري بدأت مع قيام إسرائيل واحتلال فلسطين عام 1948، لافتًا إلى أنها تعمل على خلق خلل داخل الفلسطينيين، "إذ إن فلسطينيي الـ48 لهم هويات، والمتواجدين في مدينة القدس لهم هوية، ولمن هم في قطاع غزة لهم هوية أيضًا، وكذلك الحال لمن يتواجدون في الضفة الغربية، وبالتالي أي هوية يحملها الفلسطيني وصادرة من الاحتلال هي دليل قاطع على نظام الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينين".
وأشار عميره إلى أن ممارسات الاحتلال أثبتت لمنظمة العفو الدولية أن إسرائيل تمارس نظام الفصل العنصري (أبارتايد)، لافتًا إلى أن المنظمة اعترفت بشكل رسمي في تقرير لها، بهذا الأمر استنادًا إلى الانتهاكات الجسمية ضد الفلسطينيين.