مع الوصول إلى مشارف نهاية البطولة العالمية، تتوالى الإشادات والتعليقات الإيجابية الشاهدة على نجاح مونديال قطر 2022، ابتداءً من قادة الدول العربية والدولية وكبار الشخصيات السياسية والدبلوماسية، وصولًا إلى الرياضية أبرزها قادمة من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
وأثنى هؤلاء على مستوى التنظيم والبنية التحتية والملاعب الضخمة، ليتعدّى الإعجاب إلى جوانب ومناحي الحياة المصاحبة لأجواء البطولة، وتحديدًا السلم والأمان المجتمعي، وسمة التعايش المميزة السائدة بين الزوّار والمشجعين، في وقت تحدثت فيه وجوه إعلامية دولية عن قصة النجاح المتواصل، من دون تسجيل مشكلات مؤثرة.
مؤشرات إيجابية
كما ارتأت شخصيات رياضية عالمية عدة الحضور في وسط الحدث، والتعبير عن سعادتها بحسن التنظيم بما يتوافق مع الحدث الكروي العالمي.
ورغم توافد حشود الجماهير لمتابعة أحداث البطولة، والتي وصل عددها، بحسب الأرقام الرسمية، أكثر من 2.5 مليون في جميع أيام دور المجموعات، إلا أن الجهات المنظّمة، وعلى رأسها وزارة الداخلية القطرية ولجنة أمن وسلامة بطولة كأس العالم، أعلنت عدم تسجيلها أي جرائم أو حادثة مقلقة للأمن منذ بدء البطولة وحتى الآن.
وهذا مؤشر إيجابي قياسًا بحجم الحضور داخل الملاعب بطاقاتها الاستيعابية، ومهرجانات المشجّعين المزدحمة ايضًا. بل إن وسائل إعلام دولية ارتأت أن تحوّل تغطيتها لفاعلية المونديال نحو زوايا بعيدة عن الملاعب، من قبيل التركيز على الحضور النسائي غير المسبوق في أحداث البطولة، مؤكدة أن الاجراءات الأمنية القطرية المتخذة جعلت هذا المونديال الأكثر أمانًا في تاريخ بطولات كأس العالم.
فرح وسرور
ولم يتوقّف نجاح البطولة عند حدود البنية التحتية والملاعب والتحضيرات والاستقبال والترتيب التي امتزجت بالثقافة والتقاليد العربية والإسلامية، بل استطاعت الدوحة أن تجمع العرب وتوحّد كلمتهم. فكان المونديال "مونديال العرب" بامتياز.
حتى إن تقارير إعلامية دولية تحدثت بوضوح عن هذه النقطة، وقالت إن المونديال الحالي شكّل نقطة تحوّل حقيقية في المنطقة العربية، ولامست حجم التضامن الموجود بين الشعوب العربية، وأبرزت التعاضد والتضامن بينهم في القضايا المصيرية التي تجمعهم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ووصلت هذه الحالة إلى ذروتها بمشاركة الفرح وتقاسم السرور في النجاحات التي حقّقتها المنتخبات العربية.
رفع سقف التحديات
في هذا السياق، أوضح عبد الله الملا رئيس النادي الأهلي القطري أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وعند افتتاحه أول ملعب من ملاعب المونديال عام 2017، أكد أن هذا المونديال هو "مونديال العرب"، واليوم تشهد الدوحة اجتماعًا عربيًا في بطولة فاقت كل التوقّعات.
وقال الملا في حديث إلى "العربي" من لوسيل: إن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" واللجنة المنظمة للبطولة، والجهات المختصّة في قطر، قد قطعوا شوطًا كبيرًا بنجاح وإبهار، بعد أن كان العديد يشكّك ويهاجم وينتقد، أصبحوا الآن يثنون ويشكرون قطر على هذا المونديال.
وأضاف أن مونديال قطر هو مونديال العرب والعالم وأيضًا مونديال الإنسانية لأنه جمع المجتمعات العربية والغربية بكافة أطيافها.
وأشار إلى أن قطر تقبّلت الانتقادات بصدر رحب وبطريقة بناءة، لكن الأرقام التي سجّلها المونديال هي الردّ الأقوى على هذه الانتقادات غير العقلانية، وتثبت أن قطر دولة منفتحة استضافت أكثر من 750 ألف زائر، واستطاعت إبهار العالم بالترويج للعادات والتقاليد العربية والخليجية، ناهيك عن السيطرة الأمنية والأمان في كافة مراحل المونديال.
وأكد أن حضور أمير قطر الشيخ تميم، والأمير الوالد الشيخ حمد والأميرة الشيخة موزة معظم مباريات المنتخبات العربية هو أكبر دعم لهذه المنتخبات، في رسالة تؤكد على وحدة المصير، والدين، والأهداف.
وشدّد الملا على أن نجاحات مونديال قطر ستُثبت لرئيس الفيفا السابق جوزيف بلاتر أنه أخطأ عندما قال إن "منح قطر استضافة كأس العالم كان قرارًا خاطئًا"، وإن الدول التي ستستضيف النسخات المقبلة من كأس العالم، ستُعاني الكثير للوصول إلى السقف الذي رفعته دولة قطر في تنظيم هذه التظاهرة الكروية العالمية بشهادة المسؤول الأول عن الفيفا جياني إنفانتينو ومكتبه التنفيذي، وكل الاتحادات الكروية.
مونديال "أقرب إلى الكمال"
بدوره، أعرب رونالد بيشوف، رئيس نادي سفراء كرة القدم الألمانية، عن ذهوله بالمونديال، مشيرًا إلى أنه سبق وزار قطر عام 2010، وأنه كان يُدرك ان الدوحة قادرة على تنظيم مونديال ناجح جدًا.
وقال بيشوف في حديث إلى "العربي" من لوسيل، إنه قبل المونديال نصح زملاءه الألمان بعدم إصدار الأحكام المسبقة خاصّة في ظل الدعاية السلبية التي رافقت ما قبل انطلاقة المونديال، مؤكدًا أن كل الألمان الذي حضروا المونديال وحتى الصحافيين كوّنوا انطباعات مغايرة وايجابية جدًا.
ووصف المونديال بأنه "أقرب إلى الكمال"، لناحية الأمن، والتنظيم، والترتيب، والسلام، والوئام، مبديًا إعجابه الكبير بالأداء الذي قادته الدوحة في هذا المونديال.
وأكد أن ما لمسه الغرب من قطر هو الاستضافة والكرم والصداقة والانفتاح، والأمن والأمان، وفي النهاية لا يسع للغرب إلا أن يقدّم للدوحة الاحترام على ما قدّمته خلال هذا المونديال.
وشدّد على أن الأمن والأمان الذي يلمسه المشاركون والمشجّعون في مونديال قطر، لا يلمسونه في بلدانهم.
واعتبر أن مونديال قطر نموذج يُحتذى به للدول المضيفة الأخرى، لناحية تولّي كافة اللوجستيات والتنظيم على أكمل وجه.
تنظيم عالمي
من جهته، أوضح عبد الحق صبري، الكاتب الصحفي، أن تنظيم المونديال هو "تنظيم عالمي لدولة عربية صغيرة المساحة لكن بطموحات كبيرة، وإبداع لناحية تسويق الثقافة العربية الإسلامية، والهوية والتاريخ".
وقال صبري في حديث إلى "العربي" من الرباط: إن هذا الإبداع أكده الأداء المشرّف المبهر للمنتخب المغربي، والاحتفاء العربي بهذا النجاح.
وأشار إلى أن الاحتفاء العربي بالمنتخبات العربية كان عابرًا للحدود، وما أنجزته منتخباتنا يمنحنا الأمل في أن لكرة القدم والرياضة مستقبل كبير في بلادنا، وهو ما ذكّر العرب بأهمية الاتحاد لبناء مستقبل واعد.
ورأى أن الإنجاز المغربي رياضي، لكنّه في أبعاده أعمق بكثير لناحية الجمع بين الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.
وأوضح صبري أن المنتخب المغربي يخوض "مباراة مصيرية" ضد نظيره البرتغالي، موضحًا أن مباراة "أسود الأطلس" مع إسبانيا بعثت برسالة مفادها أنه سيكون "خصمًا قويًا"، وننتظر أداءً قتاليًا حتى الدقيقة الـ120، على أمل الفوز وتحقيق إنجازًا تاريخيًا جديدًا يكون خير هدية لكل الأمة العربية.