خرج ممثلو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" في اليوم الثامن لإضرابهم عن الطعام في تونس لإعلان السعي عن تشكيل "جبهة سياسية لمقاومة الانقلاب".
كما دعوا إلى مقاطعة الاستشارات الإلكترونية التي تحدث عنها الرئيس قيس سعيّد والمرتقب انطلاقها بعد غد، ولتحشيد شعبي في الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني المقبل.
ويعوّل الرئيس سعيّد على الاستفتاء الإلكتروني الذي يعتبره رافعة له في المضي في خارطة الطريق التي أعلنها، وهو ما تتحداه فيه بوضوح حملة "مواطنون ضد الانقلاب".
غموض المشهد التونسي
والمشهد السياسي في تونس يكتنفه غموض غير معهود، يتجاذبه من طرف رئيس ماض في مشروع لا موضع فيه للقوى السياسية، ومن طرف آخر معارضة متنامية تبحث عن موطئ قدم في ذلك المشروع. وبينهما، يشرع العام الجديد بفتح أبوابه ولا بوادر تلوح في الأفق تشي بقرب تبديد ذلك الغموض.
وانقضت أكثر من خمسة أشهر منذ اتخذ الرئيس قيس سعيّد إجراءاته التي وُصفت بـ"الانقلابية". لم ينجح معارضوه في ثنيه عن المضي قدمًا في مشروعه أو في تغيير مساره، بل على العكس من ذلك يلجأ سعيّد إلى التصعيد.
ومدّد تجميد أعمال البرلمان وأعلن إجراء انتخابات تشريعية أواخر العام المقبل دون أن يستشير القوى السياسية، ودعا إلى تنظيم "استشارة شبابية" إلكترونية وعرض جميع الإصلاحات الدستورية للاستفتاء الشعبي في يوليو/ تموز المقبل.
ويرفض معارضو الرئيس هذه الخارطة ويلجؤون إلى ورقة الشارع إلا أنها لا تفلح في ثنيه عن إجراءاته، فالشارع منقسم بين الرئيس ومناوئيه.
العودة إلى الورقة الحقوقية
ولم تفعل ذلك أيضًا ورقة الخارج، هي الأخرى منقسمة مع ترجيح كفة الرئيس التي لقيت خارطة الطريق التي أعلن عنها منذ منتصف هذا الشهر ترحيبًا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، غير أنّ الترحيب كان "مشروطًا" بإشراك القوى السياسية في الحوار وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام إطالة أمد الأزمة.
ولسد ذلك الباب، تعود المعارضة إلى الورقة الحقوقية التي اعتادت عليها أيام النظام السابق. وبموازاة ذلك تعلن عن تشكيل "جبهة سياسية لمقاومة الانقلاب".
وفي خضم هذا التجاذب، تتصاعد حدة الضغوط الاقتصادية والمالية على البلاد، يريد سعيّد تخفيفها بإعلانه السقوف الزمنية للخروج من الحالة الاستثنائية ويطمع في كسب ودّ المجتمع الدولي، حيث عيونه ترنو نحو صندوق النقد الدولي.
أما الأنظار في الداخل فتتجه نحو الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتمتع بثقل لا يستهان به في الشارع، والذي انتقل من مرحلة "تأييد" إجراءات الرئيس إلى "التحفظ" عليها.
ويتحدث الاتحاد عن خيار ثالث بدا سعيّد غير مكترث به، وفي الأثناء، ترقب المؤسسة النقابية الأقوى في البلاد الأوضاع قبل أن تحسم خياراتها التي قد ترجح "كفة" الرئيس أو "كفة" مناوئيه.
"صدمة الانقلاب"
في هذا السياق، يؤكد أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك أن "التحرك في الشارع جاء بعد فترة وجيزة من الصدمة التي أصابت المجتمع التونسي والمشهد السياسي والمدني والحقوقي إثر انقلاب قيس سعيّد ليلة 25 يوليو/ تموز".
ولفت بن مبارك في حديث إلى "العربي" من تونس، إلى أنّ "الحراك المواطني حقق مكسبًا أساسيًا بأنه استطاع أن يكسر سردية المنقلب بأنه يتمتع أو يحتكر المشروعية الشعبية".
ويشير إلى أن الوقفات الاحتجاجية التي قامت بها حملة "مواطنون ضد الانقلاب" منذ سبتمبر/ أيلول الماضي تمكنت من "كسر هذه السردية وبينّت أنّ الشارع التونسي مختلف ومتنوع ولا تحتكره سلطة الانقلاب".
ويعتبر أن "موازين القوى في الشارع حسمت لصالح المقاومين للانقلاب"، لافتًا إلى "تطور المشهد السياسي الذي كان مترددًا في البداية بين قبول إجراءات قيس سعيد ورفضها".
ويوضح أن المشهد السياسي الآن "يتجه تدريجيًا نحو الإجماع بأن ما قام به سعيّد كان انقلابًا على الشرعية الدستورية واستئثارًا بالسلطة".
ويبين أن "التطور الحاصل في الأيام الماضية هو بداية تشكل جبهات سياسية ضخمة ضد الانقلاب"، إضافة إلى "تطور سقف المطالب والدعوة إلى مظاهرة احتجاجية ضخمة يوم الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني المقبل".
25 يوليو.. "حدث تاريخي"
من جانبه، يعتبر مدير قسم القانون العام في كلية الحقوق الصغير الزكراوي أنّ ما حدث يوم 25 يوليو/ تموز الماضي هو بمثابة "حدث تاريخي وزلزال".
ويقول الزكراوي في حديث إلى "العربي" من تونس: إنّه "كان يجب أن يقع"، وأنه يؤيده على المستوى الشخصي.
لكنه يوضح أن هناك خلاف حول إدارة مرحلة ما بعد 25 يوليو و"بالذات الإجراءات الأخيرة التي اتخذها قيس سعيّد منها الرزنامة (خارطة الطريق) وبالأخص الاستشارة الإلكترونية".
ويشير في هذا السياق إلى أنّ الجميع في تونس يرى أنه "لا يمكن للاستشارة الإلكترونية أنّ تحل مكان الحوار التقليدي الوحيد القادر على إخراج البلاد من هذه الأزمة".
ورأى أنه "لو تم تبني الحوار التقليدي بين المنظمات الوطنية والأحزاب ومكونات المجتمع المدني لكان تم إجراء الانتخابات في شهر يوليو بدلًا من ديسمبر/ كانون الأول" من العام الجديد.
ويلفت الزكراوي إلى أن "التمشي الذي اعتمده سعيّد بعد 25 يوليو فيه تفرد في السلطة وهذا لا نريده"، لكنه يعتبر أنه "لا يزال بإمكان رئيس الجمهورية أن يتدارك هذه الهنات وهذه الأخطاء".
"عناد" الرئيس سعيّد
بدوره، يرى أستاذ التاريخ السياسي المعاصر عبد اللطيف الحناشي أنه "من الصعب على رئيس الجمهورية التراجع عن القرارات والآليات التي اعتمدها، وذلك بالعودة إلى تكوينه النفسي وشخصيته التي تتميز بنوع من العناد وواحدية التفكير"، حسب قوله.
ويعتبر الحناشي في حديث إلى "العربي" من تونس، أن ذلك هو الذي يدفعه إلى عدم دعوة النخب السياسية والاجتماعية الفاعلة في البلاد للمشاركة في القرارات.
ويوضح أنّ "الأمور الآن اتخذت مسارًا معينًا سواء في تسقيف العملية السياسية التي طرحها أو في المبادرات التي اقترحها".
ويشير إلى أن الضغط الذي يمارس من حملة "مواطنون ضد الانقلاب" ويعتبر أن تلك المجموعة "حيوية" على هذا الصعيد.
ويلفت إلى وجود العديد من الجبهات السياسية منذ 22 سبتمبر الماضي، لكنه يرى أن تلك المجموعة "تفتقد إلى أطراف وازنة من المجتمع كأحزاب سياسية ومجتمع مدني فاعل".
ويبين أن "المجموعة الفاعلة" من خلال مؤتمرها الصحافي الخميس "تطرح إمكانية إيجاد نوع من الجبهة لتوسيع هذا العمل"، لكنه يشير إلى "عدم وجود تناغم بين هذه المجموعة الآن في ظل حالة الارتباك في صفوف الأحزاب السياسية".