الإثنين 18 نوفمبر / November 2024

خاركيف الأوكرانية.. من مدينة للشعراء إلى ساحة معارك عنيفة

خاركيف الأوكرانية.. من مدينة للشعراء إلى ساحة معارك عنيفة

شارك القصة

تقرير يرصد احتدام المعارك بين القوات الأوكرانية والروسية شمال العاصمة كييف (الصورة: غيتي)
خاركيف التي تسعى القوات الروسية إلى دخولها من جديد هي ثاني أكبر مدن أوكرانيا، وتتمتّع بتاريخ حافل من الثقافة والأدب وأحداث مؤلمة على حد سواء.

تعد خاركيف مدينة الشعر والفن والتجارة والصناعة والاكتشافات العلمية، لكنها الآن ركيزة أساسية في الكفاح من أجل مستقبل أوكرانيا.

ولطالما اعتُبرت خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، هدفًا محتملًا في الفترة التي سبقت الهجوم الروسي على أوكرانيا، حيث حشدت موسكو قوات في منطقة انطلاق في بيلغورود، على بعد 90 دقيقة فقط شمال شرق المدينة.

وعلى بعد 25 ميلًا فقط من روسيا، واجهت ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا بعض أعنف المعارك، منذ أن توغّلت القوات والدبابات والطائرات الحربية الروسية عبر الحدود الخميس الماضي.

ووضعها الكرملين نصب عينيه، واعتقد أنه لن يواجه مقاومة لأن أغلبية سكان المدينة من الناطقين بالروسية، ويُفترض أنهم أكثر تعاطفًا مع موسكو. كما أن العديد من سكان خاركيف لديهم عائلات في روسيا أو يقومون بأعمال تجارية عبر الحدود.

بدلًا من ذلك، خلال الأيام الأربعة الماضية في خاركيف، أبقت القوات الأوكرانية المقاتلين الروس في البداية خارج المدينة، مع انتشار العديد من الصور ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر معدات عسكرية روسية مدمرة في ضواحي خاركيف.

وليل السبت وصباح الأحد، قصفت القوات الروسية بشكل مكثّف الأجزاء الشمالية الشرقية من المدينة، باستخدام أنظمة صواريخ متعدّدة الإطلاق. ويوم الأحد، توغّلت الآليات العسكرية الروسية في خاركيف. وبحلول فترة ما بعد الظهر، وبعد ساعات من المعارك، أعاد الأوكرانيون السيطرة على المدينة، على الأقل في الوقت الحالي.

الأسوأ لم يأت بعد

لكن صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، رجّحت أن لا تتخلّى موسكو عن هجومها على خاركيف، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها 1.5 مليون نسمة ويغلب عليها الناطقون بالروسية وأصبحت مركزية لتقدّم روسيا للسيطرة على المنطقة الشرقية في أوكرانيا، خاصّة أنها تُواجه انتكاسات في السيطرة على العاصمة كييف.

وقال مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في منظمة "CNA"، وهي منظمة غير ربحية للأبحاث والتحليل مقرّها فرجينيا، للصحيفة الأميركية: "استندت الحملة العسكرية الروسية إلى اقتراح أن بإمكانهم تحقيق مكاسب سريعة، وأنهم لن يواجهوا مقاومة قوية".

وأضاف كوفمان أن اشتداد القصف الروسي على خاركيف "علامة على المرحلة التالية الأكثر دموية في الحرب بعد أن تبدّدت آمال روسيا في تحقيق نصر سريع"، موضحًا أنه "أطلق على خاركيف اسم المرساة التي لا تزال ممسكة بالجبهة الشرقية".

وقال: "خاضت القوات الأوكرانية معركة قوية جدًا... لكن الأسوأ لم يأت بعد. لم تحاول القوات الروسية [حتى الآن] التعامل مع خاركيف على محمل الجد"، مشيرًا إلى أن زيادة عدد القوات البرية إلى جانب القصف العنيف للمدينة "يمكن أن يكون مدمرًا للغاية" للمدنيين والبنية التحتية.

مرحلة الانفصال

قبل ثماني سنوات، عندما أطاح المتظاهرون بالرئيس الأوكراني المُوالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش لصالح حكومة ذات ميول أوروبية، فرّ الزعيم المهزوم أولًا شرقًا من كييف إلى خاركيف قبل أن يسافر إلى روسيا.

في وقت لاحق من عام 2014، عندما استولى الانفصاليون المدعومون من روسيا على مناطق دونيتسك ولوغانسك الشرقية بأوكرانيا، سيطرت إحدى المجموعات لفترة وجيزة على مجلس مدينة خاركيف، معلنة أنها جمهورية خاركيف الشعبية.

في تجمع حاشد في خاركيف عام 2015 لإحياء ذكرى مرور عام على الإطاحة بيانوكوفيتش، انفجرت قنبلة مما أسفر عن مقتل شخصين. وكان الحادث واحدًا من سلسلة من الانفجارات التي هزت المدينة في تلك الأشهر المضطربة بعد التمرّد. وقال مسؤولون أوكرانيون: إن روسيا كانت وراء الهجوم على التجمّع.

تاريخ حافل

وقال تيموثي سنايدر، أستاذ التاريخ بجامعة ييل: إن خاركيف تأسست عام 1654، وأصبحت الحياة الجامعية للمدينة مركزًا للحركة الوطنية الأوكرانية في عشرينيات القرن التاسع عشر. ولاحقًا، تمّ اختيارها باعتبارها أول عاصمة للجمهورية السوفيتية الجديدة لأوكرانيا بين عامي 1920 و1934.

وأضاف سنايدر أنه في عشرينيات القرن الماضي "كانت المدينة المركز العالمي للثقافة الأوكرانية". لقد دعم القادة السوفييت تطوير المدينة للفن والأدب، قبل أن يموت هذا "الجيل الأوكراني من صناع الثقافة" خلال عمليات التطهير في الثلاثينيات.

وأضاف أنه بين عامي 1932 و1933، خلال "المجاعة الكبرى"، التي تسببت فيها سياسات الزراعة وإعادة التوزيع السوفيتية، أصبحت خاركيف "المدينة التي يموت فيها الفلاحون" حيث تجمع الجائعون في المدينة للتسول من أجل المال.

خلال الحرب العالمية الثانية، كما هو الحال في العديد من المدن السوفيتية، تعاونت السلطات المحلية في خاركيف مع النازيين الألمان. من ديسمبر/ كانون الأول 1941 إلى يناير/ كانون الثاني 1942، قُتل آلاف اليهود في خاركيف بالرصاص أو بالغاز في شاحنات صغيرة.

ويمكن رؤية الشواهد على هذه التواريخ المؤلمة في المباني المنتشرة في شوارع خاركيف، من القصور الأرستقراطية إلى الهياكل الستالينية الكلاسيكية الجديدة، والكاتدرائيات، وتماثيل الشعراء، والمراكز الثقافية في العصر الحديث.

تابع القراءة
المصادر:
العربي - ترجمات
Close