جاء قرار الكرملين، الذي شرعت بتنفيذه شركة "غازبروم" من خلال وقف إمداداتها من الغاز عبر أنابيب "نوردستريم 1"، ليهدد استمرارية الصناعات الألمانية.
فشركة "بي أم دبليو" لصناعة السيارات و"ساب" الشهيرة في عالم البرمجيات، و"دي أتس أل" لنقل الطرود حول العالم وشركة الطيران الألمانية "لوفتهانزا" وسواها جميعها مرشحة لأن تتوقف عجلة أعمالها عن الدوران.
فإمدادات الغاز الروسي تمنح الصناعات الألمانية والأوروبية الطاقة اللازمة لتنمية إنتاجها. فالألمان الذين أبهروا العالم بصناعاتهم طيلة عقود مضت يواجهون راهنًا أصعب من منعرجاتهم التاريخية.
فشركة "ميرسيدس" لصناعة السيارات خفضّت استهلاكها من الغاز بنسبة 10% وتتطلع لتخفيضه بواقع 50% على المدى الطويل مستعينة بمصادر الطاقة المتجددة. أمّا السيناريو الأسوأ الذي وضعته في حسبانها فيتمثل باستبدال الغاز بالوقود، رغم الفاتورة البيئية الباهظة الناجمة عن هذا التحول.
أمّا منافستها "فولكس فاغن" التي تتبعها علامات بارزة مثل "بورش" و"رويز رويز" شرعت في تخزين الزجاج، إذ تحتاج كميات كبيرة من الغاز لإذابة الرمل ورماد الصودا والحجر الجيري وضمان تحويلها إلى نوافذ لسياراتها كي لا تخسر موقعها كأكبر شركة أوروبية في مضمارها.
وستكون قطاعات ألمانية أخرى أمام اختبار أكثر تعقيدًا لإدامة أعمالها، فصناعة الألمنيوم الذي يعمل فيها عشرت الآلاف، لن تتمكن من الاستغناء عن الغاز الروسي بسهولة. فهي تحتاجه لاستعمال المعالجات الحرارية التي تشمل الإذابة أثناء إعادة التدوير.
ودفع هذا التحدي الجسيم المستشار أولاف شولتس إلى التواصل مع قطر وكندا والولايات المتحدة والنرويج رغم التكلفة الباهظة لوصول الغاز من هذه البلدان مقارنة بما تقدمه موسكو.
وتواجه معجزة ألمانيا الصناعية أكبر تهديد في تاريخها، فإما أن تتمكن من تجاوز المرحلة الدقيقة وتتحمل تكاليفها الباهظة وإمّا أن تفشل في مساعيها ليحل سواها مكانها في ريادة منتجات لا تبدأ بالسيارات ولا تنتهي بالأدوية والمستلزمات الرياضية.