انطلاقًا من زيادة عدد الوزيرات في الحكومة التونسية التي اختار الرئيس قيس سعيّد امرأة لترأسها في سابقة من نوعها في تاريخ تونس، يُطرَح السؤال عمّا إذا كان سعيّد داعمًا بالفعل للحركة النسويّة في تونس.
على هذا السؤال، حاولت جمعية “أصوات نساء” التونسية أن تجيب من خلال دراسة أعدّتها حول قياس النوع الاجتماعي لرئيس الجمهورية، وركزت فيها على السياسات والأنشطة الاجتماعية والسياسية التي قام بها سعيّد منذ وصوله إلى الحكم.
وخلصت الدراسة إلى أنّ أنشطة رئاسة الجمهورية ذات العلاقة بالنوع الاجتماعي كانت محدودة وسلبية، وأنّ صلاحياته الواسعة لم تعزّز دور المرأة في مواقع القرار، ولم تأخذ في عين الاعتبار مبدأ تكافؤ الفرص.
الرجال "يكرَّمون" أكثر من النساء
في تفاصيل الدراسة التي نُشرت حديثًا، وامتدّت من أكتوبر/ تشرين الأول 2019 إلى غاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، فإنّها تمحورت حول مقياس النوع الاجتماعي لقيس سعيّد وأنشطته المتعلقة بالنوع الاجتماعي والسياسة الاتصالية والتسميات والوظائف الأخرى الخاصة بالنساء، كما تناولت المبادرات التشريعية والعمل القانوني منذ تولي سعيّد الرئاسة في تونس.
تقول الدراسة إنّ السياسات العامة في تونس لم تأخذ بعين الاعتبار احتياجات المواطنين التي يجب أن تُدرَج في إطار احترام الدستور وتكافؤ الفرص. وتشير إلى أنّ أنشطة رئاسة الجمهورية ذات العلاقة بالنوع الاجتماعي كانت محدودة وسلبية. أما الأنشطة المتعلقة بالأطفال فكانت أكثر من الأنشطة التي تهمّ النساء، وقد تراوحت ما بين تكريم وأوسمة، وغالبًا ما كُرّم الرجال أكثر من النساء.
وتلفت الدراسة كذلك إلى أنّ سعيّد يركّز في خطاباته دائمًا على الكادحات، ولكن لا يوجد أيّ قرار في خصوصهنّ، وحتى بعد 25 يوليو/ تموز الماضي، ومرور نحو مئة يوم على القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس، لم تصدر رئاسة الجمهورية أيّ قرار أو مبادرة تشريعية في هذا الشأن، وهو ما يجعل الحصيلة ضعيفة، وتركّز على الوعود لا على الإنجاز.
"النسوية الشكلية"
وتقول الدراسة إنّ نسبة حضور المرأة في ديوان رئاسة الجمهورية لم تتجاوز 21 في المئة وهي نسبة ضعيفة. وفي ما يتعلق ببقية التسميات في الوظائف التي تدخل في صلاحيات رئاسة الجمهورية بمقتضى الدستور وحتى تاريخ 25 يوليو، فلم تمثل نسبة التعيينات النسائية إلا 32 في المئة.
كذلك لم يُحترَم مبدأ التناصف الذي بقي قائمًا في الوظائف الإدارية بخلاف الوظائف السياسية، ففي السلك الدبلوماسي لا تمثل نسبة السفيرات اللواتي اختارهن رئيس الجمهورية إلا 10 في المئة من السلك الدبلوماسي، في حين لا توجد أي مبادرة قانونية لسعيّد بخصوص المرأة.
وعلى الرغم من أنّ نقطة الضوء الوحيدة التي تُحسَب للرئيس سعيّد كانت تعيين نجلاء بودن رئيسة للحكومة، كما أنّ نسبة حضور النساء في حكومة بودن بلغت 38 في المئة، فإنّ هذا التعيين عزز النسوية الشكلية وفق الدراسة لأنّ دورها يبقى مقترنًا برئيس الجمهورية، خصوصًا أنّ تسميتها أتت بحسب مرسوم يحدّ من مهامها ومسؤولياتها.
حضور "شكلي وغير فعلي" للمرأة في تونس
وتؤكد الأستاذة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي أنّ المعايير التي استندت إليها الدراسة هي الوقائع التي جرت في تونس، إضافة إلى ما تصفه بـ"العنف الاجتماعي" الذي مورس على المرأة طيلة المراحل السابقة.
وتوضح في حديث إلى "العربي" من تونس، أن المشاركة السياسية للمرأة عبر التاريخ التونسي منذ الاستقلال إلى غاية اليوم هو حضور شكلي وليس فعليًا.
وتشير إلى أنّه لم يتمّ تدعيم مشاركة سياسية للمرأة إلا سنة 1984 من خلال تعيين أول وزيرة في تونس في العقد البورقيبي.
وتلفت إلى أن المشاركة السياسية للمرأة بقيت بعد ذلك شكلية وغير فعلية، ملاحظة أنه "حتى بعد الثورة بقيت المرأة مجرد وسيلة للتعبئة السياسية".
وتعتبر أنّ قرار تسمية نجلاء بودن رغم ما شكّله من بهجة لدى بعض النسويات بوصفها أول امرأة عربية تكون رئيسة وزراء، إلا أنه لم يغيّر في المعادلة، حيث بقي حضورها شكليًا إلى حد بعيد.