للمرة الأولى منذ أربعة أشهر، استهدفت كتائب الشهيد عز الدين القسّام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" الأحد، تل أبيب الكبرى برشقات صاروخية.
ووفقًا للتصريحات الرسمية، فإن المقاومة الفلسطينية بعثت رسائل بأنّ جناحها العسكري ما زال قادرًا على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، مضيفة أنّ هذا التصعيد ما هو إلا لقطع الطريق على أي شروط سيتمّ فرضها على طاولة التفاوض غير المباشر.
فالمرتكزات عند الحركة واضحة: لا تنازل عن انسحاب إسرائيلي كامل، والقبول بوقف دائم لإطلاق النار من قبل الحكومة الإسرائيلية.
في المقابل، تمرّر إسرائيل أيضًا رسائل عدة: لا مقايضة بين وقف الحرب وتبادل الأسرى. فالأمران منفصلان عند حكومة الطوارئ التي أعلن أحد وزرائها الأحد أنّ "لا حلّ لاستتباب الأمن، إلا بفرض القوة على كامل تراب قطاع غزة". بينما ترى طبقة سياسية أخرى أنّ الوقت قد حان لقيادة جديدة بديلة عن بنيامين نتنياهو وأركان حكمه.
ويُلقي حديث الميدان العسكري بظلاله على مسار المفاوضات، فلا تأكيدات من "حماس" على تلقيها اتصالات لوقف إطلاق النار، والمباحثات عندها تحمل هدفًا قائمًا على وقف حرب الإبادة الإسرائيلية.
وتتوعّد تل أبيب باستمرار العمليات العسكرية مع تأكيدات أنّ مجلس الحرب غير مستعدّ لصفقة تتضمن وقفًا للحرب كشرط مسبق.
من جهتها، تداولت هيئة البثّ الإسرائيلية قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بسحب لواء غفعاتي، بينما تُجري الأجهزة الأمنية مباحثات لتولي جهات أوروبية أو أميركية السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدودي.
فما هي دلالات الأداء العسكري للمقاومة؟ وما هي مآلات ردّ الفعل الإسرائيلي عليه؟ وكيف سينعكس ذلك على آفاق المفاوضات المرتقبة؟
"عجز إسرائيلي عن تحقيق صورة انتصار"
وفي هذا الإطار، يؤكد معين الطاهر الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنّ المقاومة تمكّنت منذ بدء العملية البرية في غزة من فرض تكتيكاتها وأسلوبها في القتال، حيث يعيش جيش الاحتلال حالة من الدوران يتمثّل في سماح المقاومة لجيش الاحتلال بالتقدّم ثمّ مقاومه، فيضطر إلى الانسحاب، فتعيد المقاومة تنظيم صفوفها قبل أن يضطر جيش الاحتلال للعودة مرات عديدة إلى المناطق التي انسحب منها، فتعود المقاومة مجددًا.
ويقول الطاهر في حديث إلى "العربي" من عمان، إنّ إطلاق الصواريخ بعيدة المدى على المناطق المحتلة أصبحت تُستخدم في العملية السياسية، ومن أجل شلّ الحياة المدنية في الداخل الإسرائيلي.
ويضيف أنّ جيش الاحتلال لم يستطع بعد 8 أشهر من الحرب على غزة، تقديم إنجاز حاسم لشعبه، بل إنّه عجز عن تحقيق صورة انتصار ما سواء في قطاع غزة أو على جبهة لبنان.
"المقاومة لن تُنهي القتال إلا بشروطها"
بدوره، يوضح الدكتور مخيمر أبو سعدة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر في غزة، أنّ عمليات المقاومة المتجدّدة أثبتت ثبات المقاومة الفلسطينية وصلابتها وعدم نيتها إنهاء القتال إلا بشروطها.
ويقول أبو سعدة في حديث إلى "العربي" من القاهرة، إنّه لو كان نتنياهو عاقلًا، فإن هذه العمليات ستدفع الحكومة الإسرائيلية إلى مفاوضات جادة خاصة وأنّ إسرائيل لم تنجح بعد 8 أشهر من حربها على غزة في تحقيق أهدافها.
لكنّه أشار في الوقت نفسه إلى أنّ الجميع يعرف أنّ نتنياهو يناور من أجل كسب المزيد من الوقت لأنّ مستقبله السياسي في خطر.
"تهشيم ما تبقّى من صورة جيش الاحتلال"
من جهته، يعتبر عادل شديد الباحث في الشؤون الإسرائيلية، أنّ التطورات السياسية والقضائية والميدانية تتزامن مع تصاعد غير مسبوق في الأزمات الداخلية الإسرائيلية.
ويقول شديد في حديث إلى "العربي" من الخليل، إنّ الشروخ الإسرائيلية تطوّرت إلى انقسام في مركّبات النظام السياسي وداخل المؤسسة العسكرية، وهو ما تجلّى في حالة من التمرّد داخل جيش الاحتلال.
ويضيف أنّ عملية قصف تل أبيب الكبرى بما تمثّله من ثقل اقتصادي وسياسي واجتماعي ومالي، سيؤدي إلى مزيد من الضغوط الداخلية وتهشيم ما تبقّى من صورة جيش الاحتلال أمام الإسرائيليين.