شرعت واشنطن في بناء رصيف بحري في غزة، بهدف زيادة وتسهيل وصول المساعدات إلى القطاع المحاصر، وفق إعلان لوزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون".
وتشير المعلومات إلى أن طول الرصيف يبلغ 500 متر، وسيتم تسليم المساعدات عبره من خلال ثلاث مناطق، الأولى منطقة إنزال المساعدات، وهذه تخضع للسيطرة الإسرائيلية المباشرة، والثانية المنطقة التي ستنتقل إليها المساعدات، أما الثالثة فتتمثل في منطقة التسليم الخاضعة لإشراف منظمات أممية.
مآرب إسرائيلية أمنية وسياسية
من جهته، أكد جيش الاحتلال الإسرائيلي العمل على توفير الدعم الأمني واللوجستي للرصيف الأميركي، وهذا يقود للبحث عن المآرب الإسرائيلية الأمنية والسياسية من وراء إنشاء هذا الميناء.
على الصعيد الأمني، يتسق المشروع الأميركي مع رغبة الاحتلال المعلنة في إغلاق المنافذ المختلفة لقطاع غزة، والسيطرة على جميع معابر القطاع، والتحكم بما يدخل ويخرج منه، في وقت لا يستقيم فيه كذلك الفصل بين عملية رفح المرتقبة وإنشاء الميناء الأميركي المذكور.
على الصعيد السياسي، يشير إنشاء الرصيف الأميركي وفق المشككين فيه إلى رغبة أميركية إسرائيلية بتحويل قضية العدوان على غزة من قضية سياسية إلى إنسانية محضة، كما يشير إلى رغبة الطرفين في إدارة النزاع لا حله.
في سياق متصل تبرز مخاوف متنامية من تطويع الميناء لصالح المشروع الإسرائيلي القاضي بتهجير الفلسطينيين من غزة نحو دول أخرى عبر البحر تحت شعار "الهجرة الطوعية".
أما الهدف السياسي الثالث للرصيف، فيكمن وفق البعض في تهميش معبر رفح البري، وبالتالي تقليص الدور المصري وتأثيره.
لماذا تصر واشنطن على إنشاء الميناء البحري قبالة غزة؟
وفي هذا الإطار، تحدث أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح حسن أيوب عن وجود تناقضات ذات دلالة كبيرة في هذا المجال، لافتًا إلى أن المعابر المخصصة لدخول المساعدات الإنسانية المختلفة، موجودة أصلًا كمعبري رفح وكرم أبو سالم.
وفي حديث لـ"العربي" من نابلس، تساءل أيوب لماذا تصر واشنطن على إنشاء الميناء قبالة سواحل غزة، في ظل وجود معابر برية أكثر كفاءة وسرعة في إيصال المساعدات للقطاع، موضحًا أن ما يحدث هو تدخل إقحامي للولايات المتحدة من شأنه أن يغير البعد الجيوسياسي لكل علاقات المنطقة، ليس فقط من زاوية التحكم الإسرائيلي بعيد المدى فيما يدخل ويخرج من قطاع غزة.
وأعرب عن اعتقاده أن الأمور ستصبح أكثر سوءًا، لأنه في السابق كان هناك أكثر من معبر تؤمن للفلسطينيين في قطاع غزة الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية، أما الآن فسيقتصر الأمر على الرصيف العائم والذي ستتحكم به إسرائيل.
أيوب أضاف أن إسرائيل تراهن وحاولت مرارًا وبدعم الولايات المتحدة أن تخلق من العشائر والقبائل رجال الأعمال، وحتى يمكن أن تتعاون مع عصابات نهب المساعدات الغذائية بديلًا على الأرض، الأمر الذي سيمكنها من التحكم على المدى البعيد في لقمة عيش الغزيين.
ويرى أن الإدارة الأميركية جادة فيما يتعلق بموضوع إدخال المساعدات الإنسانية، لكنه أشار إلى كون هذا المشروع يقدم باعتباره منفصلًا عن البعد السياسي هو خطر بحد ذاته لأنه لا يقدم كجزء من حل يقوم على رفع الحصار عن قطاع غزة وعلى إنهاء العدوان الإسرائيلي وعلى تمكين الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة.
وأوضح أنه لا يوجد في هذا المشروع على المستوى الإستراتيجي ولا في التحركات الأميركية السياسية الرديفة، ما يشير أبدًا إلى أن الإدارة الأميركية تريد أن تمارس ضغطًا فعالًا على إسرائيل من أجل وضع تصورات سياسية تنهي الصراع.
هل سيكون لأميركا جنود في غزة؟
من جهته، قال نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط ميك مولروي: "يجب أن تكون المعابر البرية والبحرية والجوية متاحة، وأن يتم العمل على إدخال المواد من البحر أيضًا"، مضيفًا أن إسرائيل لم تقل إنها ستقفل المعابر البرية عند بناء الرصيف البحري، حسب قوله.
وفي حديث لـ"العربي" من ولاية مونتانا الأميركية، أعرب عن اعتقاده أنه سيكون من الأساسي جدًا زيادة تدفق المساعدات ليس فقط لغزة، ولكن أيضًا لمناطق في غزة من الصعب الوصول إليها في السيارات أو الشاحنات، ولذلك أنشئ هذا الرصيف البحري، والذي يمكن استخدامه من قبل عدة منظمات إنسانية لإدخال المواد التي يمكن أن يتم توزيعها بعد ذلك إلى الشعب الذي يعيش على شفير مجاعة.
وهذا التوزيع، حسب مولروي، سيكون بإرشاد الأمم المتحدة ومبادئ العمل الإنساني، مشيرًا إلى أن الحديث عن النهب والعصابات أمر يتعلق بالمعابر البرية، كما أن الأشخاص الذين يوزعون المساعدات على الأرض، ليس لديهم عبور سهل إلى رفح.
وفيما أشار إلى أن شمال غزة يعيش أوضاعًا صعبة جدًا، لفت مولروي إلى أنه إذا تمت عملية اجتياح رفح، فإن المعبرين البريين الأساسيين رفح وكرم أبو سالم يمكن إعاقتهما بشكل كامل، لذلك المسألة السياسية تتعلق في المحاججة، أي الخيارات، ولكن المسألة الأساسية هي عدم قيادة الأشخاص إلى المجاعة، سواء برًا أو بحرًا أو جوا لكل من يحتاجها.
وأردف مولروي أن الولايات المتحدة أوضحت أنها لن يكون لها جنود في غزة، مشيرًا إلى أن واشنطن سيكون لها جنود في البحر المتوسط.
ما أهداف الرصيف البحري؟
من جهته، أوضح الكاتب والباحث السياسي إياد القرا، أن الولايات المتحدة حينما تحركت بهذا الاتجاه كانت تضغط باتجاه زيادة حجم المساعدات على قطاع غزة، بعد أكثر من حادثة لاستهداف الذين يقومون بتأمين الشاحنات خاصة في المنطقة الشمالية من قطاع غزة، وقيام الجيش الإسرائيلي باستهدافها وعدم تجاوب حكومة الاحتلال مع المطالب الأميركية.
لكن القرا أشار إلى أنه ثبت بعد ذلك أن ما يحدث عمليًا هو بالتنسيق بين الاحتلال والولايات المتحدة، وما أعلن عنه جيش الاحتلال اليوم بشكل واضح حول تأمين ما يسمى القوات الأميركية التي ستعمل على إنشاء الميناء العائم، يثير الكثير من الشكوك حول الهدف الرئيسي من ذلك.
وفي حديث لـ"العربي" من رفح، قال القرا: "إذا كان الهدف إدخال المساعدات إلى قطاع غزة فهناك الكثير من الطرق المناسبة والملائمة ومنها إمكانية زيادة عدد الشاحنات التي تصل القطاع عبر معبر رفح البري، مضيفًا في الوقت نفسه أن تسهيل انتقال الشاحنات ما بين المنطقة الجنوبية وصولًا إلى الشمال يمكن أن يكون أسهل بكثير من إنشاء ميناء.
وأشار إلى أن الحديث الأميركي بوجود قواته بالقرب من هذا الميناء أو على ساحل قطاع غزة، يثير الكثير من الشكوك الأمنية، وإمكانية أن تسعى الولايات المتحدة لوجود عسكري قريب في هذه المنطقة لأهداف حتى الآن غير واضحة.
وأوضح القرا أن إسرائيل تريد أن تستثمر الوجود الأميركي كغطاء، وتحوله إلى نقطة عسكرية أو تواجد أميركي إسرائيلي بالقرب من منطقة شارع الرشيد غرب مدينة غزة ويمكن أن يستمر حتى بعد الذهاب إلى هدنة وفرض أمر واقع.
ويرى القرا أن الولايات المتحدة تريد أن يكون لديها تواجد قرب سواحل قطاع غزة لأهداف قد تكون أمنية أو عسكرية.
وقال القرا: "لا يمكن أن يُنظر إلى ما تقدمه الولايات المتحدة من مساعدات إلى غزة بأي شكل من الأشكال بالإيجابية، فهي ليست داعمًا بل شريكًا بشكل واضح في الحرب على غزة، مضيفًا أن واشنطن قدمت الدعم المطلق لإسرائيل في الجرائم التي ارتكبتها في قطاع غزة.
وخلص إلى أن الميناء العائم يمكن أن ينظر إليه برؤية إيجابية أخرى إذا ما تم تحييد الإسرائيليين عنه بأي شكل من الأشكال، لأنه لن يكون هناك قبول فلسطيني لأي تواجد إسرائيلي فيه.