الخميس 21 نوفمبر / November 2024

سماسرة الجوازات.. ابتزاز واستغلال لمعاناة اليمنيين في زمن الحرب

سماسرة الجوازات.. ابتزاز واستغلال لمعاناة اليمنيين في زمن الحرب

شارك القصة

ظهر في اليمن سماسرة الجوازات الذين يعملون بشكل غير رسمي على تذليل الصعاب للحصول على جواز سفر واختصار الوقت، لكن مقابل مبالغ باهظة.

رغم المآسي الكبرى التي يعانيها اليمنيون جراء حرب لا تبدو لها نهاية قريبة، إلا أن هناك نوعًا آخر من المعاناة قد يتصاغر للوهلة الأولى أمام القتل والدمار والتمزق الذي تشهده البلاد منذ ست سنوات.

تعدد هذه الأزمات واستمرارها دون حل بل وتفاقمها أحيانًا؛ يؤرق حياة اليمنيين اليومية ويزيد من وطأة الحرب ومآسيها، ومن أبرز تلك الأزمات حرية السفر والتنقل، ليس فقط بسبب انقطاع خطوط الطيران نتيجة للقتال والقصف المتواصل، وإنما أيضًا لصعوبة الحصول على جواز السفر أو تجديده.

ومع انهيار مؤسسات الدولة، ضربت الفوضى معظم الخدمات الحكومية ومنها إدارة الجوازات، حيث تكدس المواطنون بحثًا عن الوثيقة التي تمكنهم من مغادرة البلاد للبحث عن حياة جديدة أو الهروب إلى المجهول.

وظهر سماسرة الجوازات الذين يعملون بشكل غير رسمي على تذليل الصعاب للحصول على جواز سفر واختصار الوقت، لكن مقابل مبالغ باهظة.

معاناة لاستخراج الجواز

أيام طويلة وتجارب مريرة خاضها الشاب اليمني حمدي أحمد قايد محاولًا عبثًا استخراج جواز سفره لأول مرة من أجل تلقي العلاج في الخارج، لكن الشاب المريض بالكبد أنهكته الطوابير الطويلة والتنقل بين موظف وآخر دون جدوى.

وأخيرًا، مع اشتداد المرض عليه ونصائح الأطباء بضرورة التعجيل بالسفر اضطر مثل غيره من المرضى إلى الاستدانة لاستخراج وثيقة النجاة عبر سماسرة يعرضون خدماتهم على مرأى من المسؤولين.

ويؤكد الشاب اليمني أنه "انتظر لأيام وأسابيع وسط الطوابير الطويلة في إدارة الجوازات" قبل أن يعرض عليه "دفع مبالغ كبيرة لتسهيل استخراج الوثيقة، حيث وصل المبلغ نحو 400 ألف ريال يمني".

من جهتها، تشير الناشطة المجتمعية نسيم العديني إلى وجود سماسرة من داخل إدارة الجوازات، إضافة إلى استغلال البعض للوساطة عن طريق الأصدقاء وغيرها، إضافة إلى عسكريين يعملون على حراسة المؤسسة قد يعملون في هذا المجال.

وترى أن هذا الأمر هو الذي "سمح بوجود الفساد الكبير والسمسرة في مسألة الجوازات".

ابتزاز المواطنين

وبالنسبة إلى هذه الظاهرة، يعتبر مدير إدارة العلاقات في شرطة تعز أسامة السرعبي في حديث إلى "العربي"، أنّ "الحرب بشكل عام تولد كل سلوك سيئ وكل ظاهرة خبيثة ودنيئة".

لكنه يرى أن "ضعاف النفوس ربما لجأوا إلى ابتزاز المواطنين بمبالغ مالية بطرق أو بأخرى". ويؤكد في هذا السياق على التعامل مع بعض الشكاوى التي وصلت إلى قيادة إدارة فرع المصلحة واتخذ بحقها الإجراءات اللازمة.

ويقول السرعبي: إن "اللمز أو الحديث أن هذا سلوك متعمد من قبل الإدارة هو أمر غير صحيح وغير وارد". ويضيف: "الإدارة تتعامل حسب الأصول الرسمية المعتمدة في قطاع الجوازات".

ويؤكد أن "المعاملات تتم بسلاسة ومرونة وبشكل واضح جدًا، وأنه لا يدفع مبالغ خارج نطاق المبالغ الرسمية المعتمدة".

ظهور السماسرة

ووفق التصنيفات العالمية لترتيب جوازات السفر يقبع الجواز اليمني في قاع التصنيف العالمي، لكن تفاقم الأوضاع الإنسانية خاصة الصحية بسبب الحرب دفع المزيد من اليمنيين لمحاولة الحصول على جواز سفر بحثًا عن علاج الجرحى والمرضى أو حتى الهروب للمجهول، وهو ما زاد الضغط على مصلحة الهجرة والجوازات التي تعاني من انهيار بالأساس.

في ديسمبر/ كانون الأول 2018 أصدر وزير الداخلية اليمني قرارا بحصر إصدار جوازات السفر في ست محافظات خاضعة لسيطرة الحكومة والتأكيد على عدم الاعتراف بجوازات السفر الصادرة من مناطق سيطرة الحوثيين، حيث أدى ذلك إلى المزيد من التكدس والتدافع.

وفي هذا السياق من الفوضى والرغبة في النجاة، ظهر السماسرة بين الازدحام وهم يعرضون خدماتهم لتوفير الوقت والجهد، لكن ليس المال.

وتعتبر الناشطة المجتمعية نسيم العديني في حديث إلى "العربي"، أن البلد أصبح مقسما إلى عدة أقسام، حيث "احتكار" إصدار الجوازات في مناطق الشرعية، بينما في "الجانب الآخر خاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين يعاني المواطنون بشكل أكبر بكثير من السكان الذين هم في مناطق الشرعية".

للسماسرة شروط أيضًا

ومع اتساع نطاق الظاهرة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي إعلانات لأشخاص ووكالات سياحة وسفر تعرض المساعدة في استخراج جواز السفر، وذلك على الرغم من أن القانون اليمني لا يسمح لوكالات السفر والسياحة بالعمل في "سمسرة الجوازات"، بل ويعاقب بالإغلاق والتوقيف كل من يخالف ذلك.

تواصل "العربي" مع أكثر من سمسار للتعرف أكثر على طبيعة عملهم، وقد عرض أحدهم بالفعل سعرًا لاستخراج جواز سفر بعيدًا عن الطرق الرسمية. وحاول "العربي" الاقتراب أكثر من السماسرة على أرض الواقع، وتم رصد تجولهم بين الصفوف بحثًا عن ضحاياهم، حيث وافق أحدهم على التحدث، لكنه اشترط عدم الكشف عن هويته.

وروى أ. م، وهو سمسار جوازات سفر، أن هناك إقبالًا كبيرًا على استخراج الجوازات نظرًا للظروف الأمنية ووضع المحافظات اليمنية المختلفة.

ويقول في حديثه إلى "العربي": "نقطع من بين الطوابير نحو 30 إلى 50 جواز سفر، حيث يصل سعر الجواز أحيانًا ألف دولار وأحيانًا أخرى إلى ألف ريال سعودي أو 700 ريال سعودي". ويوضح أن سعر الجواز يصبح "أغلى" في حال كان الشخص يريد استخراجه بشكل أسرع.

وترى الباحثة المجتمعية نسيم العديني أن "المادة أصبحت هي التي تهم هؤلاء السماسرة وليس المواطنين". وتقول: "أصبح القائمون على الجوازات وخاصة في تعز تهمهم المادة فقط دون الالتفات إلى المواطن أو سلامة البلاد وأمنها".

للمرأة نصيب من رحلة المعاناة

وكالعادة، وعلى غرار أزمات اليمن ومآسيه، كان للمرأة اليمنية النصيب الأكبر من رحلة المعاناة لاستخراج جواز السفر، ومن بينهن أم إبراهيم السيدة المريضة التي أخذت صغيرها ليشهد على وطن يبدو وكأنه يعاند أبناءه حتى وهم يبحثون عن طوق نجاة.

وتروي أم إبراهيم صعوبة الطريق من صنعاء للوصول إلى تعز لاستخراج جواز سفرها، وتؤكد في مرارة أن "حقها منبوذ بكل الوسائل" داخل مصلحة الجوازات.

وتحدثت أن شخصا عرض عليها المساعدة لاستخراج جواز السفر مقابل 400 ألف ريال يمني، وهو ما حصل بعد "تدبير المبالغ بالاستدانة" بهدف تحقيق حلمها بالعلاج.

والنساء اليمنيات هن الفئة "الضعيفة في المجتمع ويعانين من الأمراض في ظل الحرب"، وفق الباحثة المجتمعية نسيم العديني.

"معارف" داخل الإدارة

وعلى غرار قوانين محاربة الفساد في كل دول العالم، ينص القانون اليمني على معاقبة الراشي والمرتشي وحتى الوسيط، لكن المثير أنّ السماسرة يعملون في العلن بالتعاون مع موظفين داخل مصلحة الجوازات، وفقًا لما يتحدث به المواطنون وما أكده السمسار الذي وافق على الحديث إلى "العربي".

ويؤكد أ.م أنّ "لديهم معارف داخل مكاتب الجوازات هم الذين يقومون بتسهيل المهمات عبر دفع مبالغ مالية لهم (100 ألف ريال على الجواز كمثال) حسب الجواز والاتفاق مع صاحبه".

ماذا عن الجواز الدبلوماسي؟

الأخطر في التجارة بجوازات السفر اليمنية هو انتقالها إلى العبث بجوازات السفر الدبلوماسية، وفقًا لادعاءات عززتها وقائع منشورة، مثل ما أعلنه مستشار في السفارة اليمنية بالقاهرة عن شروط مصرية لدخول حاملي الجوازات الدبلوماسية اليمنية، وما تبعه من إعلان مماثل صدر عن السفارة اليمنية في المجر.

وتؤكد الباحثة المجتمعية نسيم العديني أن جوازات السفر الدبلوماسية "متوفرة ولكن ليست بالظاهرة الكبيرة جدًا"، حيث "تصرف لأشخاص معينة بطريقة مخفية".

وتلفت إلى أن تلك الظاهرة موجودة منذ النظام السابق.

لكن مدير إدارة العلاقات في شرطة تعز أسامة السرعبي يعتبر أن الحديث عن إصدار جوازات سفر دبلوماسية عن طريق السماسرة "كلام فارغ وهراء".

ويؤكد في حديثه إلى "العربي"، أن جوازات السفر الدبلوماسية "تصدر بطريقة معقدة جدًا عبر وزارة الداخلية ورئاسة الوزراء".

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close