في فبراير/ شباط عام 2011 خرج السوريون أسوة بالعرب الآخرين في بلدان عربية عديدة للمطالبة بإصلاح شامل وبانتخابات ودستور جديد يفضي إلى تعاقد جديد بين الشعب والسلطة، وإلى دولة تقوم على العدالة والمواطنة والمساواة. واليوم بعد 11 عامًا على قيام الثورة السورية، ما الذي تبقى من تلك المطالب والشعارات؟
حين قرّر النظام "إزاحة الشعب"
في عام 2011، نجحت ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن بإزاحة رؤوس الأنظمة فيها باستثناء سوريا، حيث قرر النظام إزاحة الشعب ولو اضطر إلى قتل نصفه ليحكم النصف الآخر.
بدأت الاشتباكات بين قوات النظام والمعارضة مطلع عام 2012. ورغم ضعف تسليح المعارضة السورية إلا أنها بعد عام واحد من القتال أوشكت على إسقاط النظام السوري ما دفعه للاستعانة بميليشيات طائفية جاءت من إيران في عام 2013 وأنقذت النظام الأسدي من السقوط، وفق شهادة مسؤول الملف السوري في الحرس الثوري الإيراني حسين همداني في مذكّراته "رسائل الأسماك".
لم يتراجع السوريون واستمروا في معركتهم وتطلب الأمر تدخلاً جديدًا أقوى من سابقه، فاستعان الأسد بموسكو عام 2015 بعد أن أوشكت على السقوط للمرة الثانية. سقطت حلب والغوطة الشرقية بعد مجازر مروعة وجرائم حرب بشعة وسقوط الآلاف من الأطفال والنساء.
خراب وأنقاض ودمار
وفي أوائل عام 2017، أي بعد التدخل الروسي بأقل من عامين تراجع حلفاء الثورة السورية عن دعمها وبدأوا بالاعتراف بشرعية "البراميل المتفجرة".
وبعد مرور 11 عامًا على الثورة السورية تراجعت سلطة النظام السوري الفعلية على البلاد وصار الوجود الإيراني واقعًا تجاوزه، وتحوّلت أجزاء واسعة من سوريا إلى خرائب وأنقاض ودمار.
ووفق تقارير دولية، فإن خمسة ملايين طفل سوري ولدوا منذ بدء الحرب ولم يعرفوا أوقات السلم يومًا واحدًا، كما ولد مليون طفل سوري لاجئين وأكثر من 60% من الشعب السوري فروا من ديارهم.
كما يحتاج أكثر من 13 مليون سوري إلى مساعدات طارئة لإنقاذ حياتهم، و90% من الأطفال يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، وأكثر من نصف مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من التقزم لسوء التغذية.
وإضافة إلى ذلك، فإن 2.45 مليون طفل في سوريا و750 ألف طفل سوري إضافي في الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدرسة، فهذا الواقع لخصه وزير التنمية الألماني غيرد مولر بقوله: "سوريا أكبر مأساة في القرن الحالي".
هل تحقق الانتقال الديمقراطي؟
ويرى الباحث في المركز العربي في واشنطن رضوان زيادة أن "النظام لم ينتصر في حربه، لكنه أضُعف بشكل كبير، حيث كان الثمن هو تدمير بلد بأكمله على مستوى الموارد البشرية والاجتماعية والاقتصادية".
ويشرح في حديث إلى "العربي"، من واشنطن، أن ما جرى هو أنّ ثلث السوريين هم في المهجر كلاجئين، إضافة إلى أنّ أكثر من 4 ملايين سوري هم نازحون في الشمال السوري يعيشون تحت الخيام وفي العراء.
ويوضح أن السنوات العشرة الماضية كان لها الأثر الكبير على السوريين فيما يتعلق بالتنمية البشرية، معتبرًا أن مطالب السوريين في تحقيق الحرية وبناء نظام ديمقراطي "بقيت مسكونة داخل السوريين أينما كانوا سواء داخل بلدهم أو خارجه".
ويؤكد أنّ النضال الشعبي السوري لتحقيق هذه المطالب هو طويل، حيث "لا يمكن القول إنّ النظام استطاع أن يحسمه بشكل كامل، كما لا يمكن الحديث أن مطالب الثورة قد تحققت بشكل كامل في الانتقال الديمقراطي من نظام ديكتاتوري إلى نظام مدني".
سلطة "عبادة الفرد"
ويشير زيادة إلى أنّ عملية الانتقال الديمقراطي "ليست سهلة" وقد تكون في المنطقة العربية "أشبه بالمستحيلة"، إذ إن في سوريا يوجد نظامًا سياسيًا قام على تدمير المؤسسات السياسية والتعددية الحزبية منذ 50 عامًا.
ويرى أنّ تلك السلطة القائمة على حزب سياسي واحد تحولت إلى سلطة الأجهزة الأمنية ثم إلى سلطة العائلة وسلطة فردية، قبل أن تتحول إلى سلطة "عبادة الشخص".
ويعتبر أن الثورة السورية نجحت في "تهشيم صورة عبادة الشخص وتدمير صورة الدكتاتور"، إضافة إلى المساهمة في زيادة الوعي السياسي بشكل كبير لدى المكونات السياسية والاجتماعية داخل سوريا وخارجها بضرورة أن يكون لديهم رأي في نظامهم السياسي ومن يحكمهم. ويلفت إلى أن هذا الأمر يعد "تحولاً جذريًا" في مجتمع عاش تحت حكم دكتاتوري.
الثورة السورية.. "لحظة مفصلية"
من جانبها، تشير أستاذة العلوم السياسية في جامعة لانكستر رهف الدغلي إلى أنّ أي عملية انتقال ديمقراطي تحتاج إلى أمد طويل ونضالات وتجارب عديدة وليست "تصنع بشكل آني"، معتبرة أنه "تحقق الكثير عبر الثورة" في سوريا.
وتشرح في حديثها إلى "العربي" من إسطنبول، أن ما جرى عبر الحراك منذ 11 عامًا هو توجيه انتقادات للاعتقاد السائد بأن سوريا يحكمها "سلطوية استثنائية وبأن الشعب خاضع لهذه السلطة".
وترى أن ثورة 2011 والحراك المصاحب لها "ليست لحظة مفصلية فقط للمطالبين بتغيير النظام، بل هي كانت عبارة عن لحظة مرجعية للموالين أيضًا".
وإذ تعتبر أنه رغم حصول استقطابات هائلة على صعيد الهويات داخل مكونات المجتمع السوري، ترى أن الثورة حققت مراجعات فكرية وسياسية وثقافية بين هذه المكونات، كما تم "إنتاج فضاءات واسعة للتغيير السياسي وإن كان ليس بشكل آني"، بحسب الدغلي.
تقييم النتائج يحتاج إلى عقود
وتشير أستاذة العلوم السياسية رهف الدغلي إلى أنّ تقييم الثورة ونتائجها يحتاج إلى عقود لمعرفة مدى تأثيراتها على الداخل السوري.
وترى أنه جرى استخدام الأزمة في سوريا على مدار عقد من الزمن كأداة سواء من النخب أو غيرهم في المنطقة العربية للتخويف من مسألة "اندثار المكونات وظهور الجماعات الجهادية".
وتخلص إلى أنه رغم أنّ الحراك الثوري في سوريا قام بـ"تدمير عبادة الفرد بشكل جذري" إلا أنّ الإرث الاستبدادي للنظام استطاع من خلال مكوناته الموالية أنّ ينتج آلية معينة لفرض هذه السياسة والتحكم بسلوك الأفراد.