في مؤشر على ارتفاع حدة التوتر في المنطقة، برزت ترجيحات أميركية باقتراب موعد الضربة الإيرانية الانتقامية ضد إسرائيل على خلفية اغتيال تل أبيب قياديًا بارزًا في الحرس الثوري هو العميد محمد رضا زاهدي وضباط آخرين في دمشق أوائل الشهر الجاري.
وذكرت وسائل إعلام أميركية، أن الرد الإيراني قد يشمل هجمات صاروخية بطائرات مسيرة ضد أهداف عسكرية وحكومية، مشيرة إلى أن الأمر برمته مسألة وقت، في وقت أعلنت دول بالفعل وقف رحلاتها إلى طهران وحذرت مواطنيها من السفر إليها.
وفي الأثناء، وصل قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال إريك كوريلا إلى تل أبيب في سياق استمرار التنسيق بين الجانبين، في وقت أشار مسؤولون أميركيون إلى أن واشنطن ربما تشارك في التصدي للهجوم الإيراني، بينما ارتفعت أصوات إسرائيلية تهدد بالرد مباشرة داخل إيران على أي هجوم.
من جهته، جدد الرئيس الأميركي جو بايدن دعمه "الثابت" لإسرائيل في مواجهة التهديدات الإيرانية، بينما أكد وزير خارجيته أنتوني بلينكن خلال اتصال هاتفي مع وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت أن الولايات المتحدة ستقف إلى جانب إسرائيل ضد أي تهديد من إيران ووكلائها.
وفيما يتصاعد منسوب التوتر، دعت دول عدة إلى عدم التصعيد حيث طالب الكرملين الجميع بضبط النفس لضمان عدم زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، بينما رأت وزارة الخارجية الألمانية أنه لا يمكن لأي طرف أن تكون لديه مصلحة في تصعيد إقليمي واسع النطاق.
من جانبه، اتصل، المبعوث الأميركي للشرق الأوسط بوزراء خارجية قطر والسعودية والإمارات والعراق ليطلب منهم إيصال رسالة إلى إيران تحثها على خفض التوتر مع إسرائيل وفقًا لوكالة "رويترز"، فيما قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة إن الرد الإيراني على القصف الإسرائيلي كان من الممكن التغاضي عنه لو ندد مجلس الأمن الدولي بالهجوم.
هل من مؤشرات لحرب إقليمية؟
وفي هذا الإطار، يرى المسؤول السابق عن الملف الإيراني في الاستخبارات الأميركية نورمان رول، أن الأطراف الفاعلة في المنطقة ليس لها مصلحة في إشعال حرب إقليمية، لأنها ستؤثر على الأولويات السياسية والاقتصادية المحلية.
وفي حديث إلى "العربي" من واشنطن، أضاف رول، أن طهران تريد أن تتجنب ذلك، لكنها تعلم أنها إذا ما هاجمت إسرائيل فإن الأخيرة سترد، لافتًا إلى أن إيران تحاول ديبلوماسيًا أن تصل إلى نجاحات قبل أن تقوم بأي نشاط تشعر بأنه كاف لردع إسرائيل، لكنها لا تريد أن تشعل حربًا إقليمية.
وتابع أن الولايات المتحدة الأميركية قالت إنها ستوفر أي دعم عسكري للدفاع عن إسرائيل، مشيرًا إلى وجود مئات آلاف الأميركيين في إسرائيل. وأكد أن واشنطن لا تريد أن تغرق في حرب إقليمية بل أن تحد من الرد ليقتصر على الردع، واحتواء أي عنف يمكن أن يستشري وصولًا إلى النقاشات السياسية الديبلوماسية.
ولفت رول إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ومنذ بداية الحرب على غزة، أظهرت أنها لن تتخذ خطوات لتصعيد العنف الإقليمي، مشيرًا إلى أن هناك ممارسة لضبط النفس، ولكن في الوقت ذاته فإن الولايات المتحدة الأميركية لديها قدرات كبيرة في المنطقة.
رول الذي قال إن هناك بواعث قلق لدى الجميع، أكد أن ما من دليل يشير إلى أن إسرائيل مهتمة بحرب إقليمية، لأن ذلك سيكون مرتبطًا بمآلات وخيمة على حياة الإسرائيليين وعلى اقتصادهم.
وبشأن الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، رأى رول أن هذا دليل على أن إسرائيل صعدت من عملياتها ضد إيران، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن المسؤولين الإيرانيين مسؤولون أيضًا عن سقوط آلاف من الصواريخ على الإسرائيليين، حسب قوله.
الرد الإيراني المتوقع
من جهته، يرى أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا إبراهيم فريحات أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تعرفان السيناريو وشكل المواجهة المحتملة الآن، معربًا عن اعتقاده أنها غير واضحة حتى لإيران على اعتبار أن هناك سيناريوهات موجودة على الطاولة والقيادة الإيرانية تقوم بدراستها، ومن أجل ذلك هناك عدة مبادئ تحكم الرد القادم.
وفي حديث إلى "العربي" من الدوحة لفت إلى أن الرد سيحصل "لأن إسرائيل اجتازت إحدى أهم قواعد القوانين الدولي المتمثلة بحصانة السفارات، كما أن القادة الإيرانيين على اختلاف مناصبهم تعهدوا بالرد على هذا الهجوم".
وأضاف فريحات أن الولايات المتحدة بشكل خاص غير معنية بإشعال حرب إقليمية.
وأردف أن هناك العديد من المؤشرات التي تقول إن إسرائيل معنية بحالة التصعيد وبحرب إقليمية، معتبرًا أن الضربة التي نفذتها على القنصلية الإيرانية هي إحدى هذه المؤشرات، ولكنها ليست الوحيدة، مشيرًا إلى أنه لربما تكون تل أبيب أحوج إلى مثل هذه الحرب الإقليمية لأنها متورطة في غزة، ولا يوجد سيناريو لمخرج إسرائيلي مشرف.
ويرى فريحات أن إيران يمكن أن تلعب على وتر "الخلاف ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل" وعلى موضوع الحرب الإقليمية، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لا تريد الحرب الإقليمية، ولكن إسرائيل ربما تدفع باتجاهها.
وأعرب عن اعتقاده بأنه إذا ضربت إيران أهدافًا عسكرية إسرائيلية أو دبلوماسية، فمن الممكن أن ترد إسرائيل في داخل العمق الإيراني حتى يكون هناك نوع من التصعيد وثم تجر الولايات المتحدة إلى مثل هذه المواجهة.
وأردف فريحات أن إسرائيل، وتحديدًا الحكومة اليمينية المتطرفة تتصرف على أساس أنها خارج القانون الدولي، وأن القانون الدولي لا ينطبق عليها، وأنها محمية من قبل الولايات المتحدة، وتقوم بكل ما يساعد هذه الحكومة اليمينية على الاستمرار في الحياة.
وتابع أن على الولايات المتحدة أن تعي أن هذه الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب هي التي تقود الإدارة الأميركية إلى الهاوية في منطقة الشرق الأوسط، وعليها أن تعي بأن هناك فرقًا بين مصلحتها ومصلحة يمينيين متطرفين في هذه الحكومة.
كيف سيكون طبيعة الرد الإيراني؟
من ناحيته، أشار الكاتب السياسي حسين رويوران إلى أن "هناك اعتداء مزدوجًا وجريمة إرهابية قام بها الكيان الصهيوني من خلال اغتيال العديد من الأشخاص جزء كبير منهم من المدنيين السوريين" عبر قصف القنصلية في دمشق، لافتًا إلى أن القانون الدولي الآن لصالح طهران، ويسمح لها برد متناسب.
وأضاف في حديث إلى "العربي" من طهران، أن إيران لا تريد فتح حرب ولا هي معنية بهذا الموضوع، لكن الردع الإيراني يتطلب الرد لأن عدم حصول ذلك سيجعل الأمن الإيراني مستباحًا.
واستبعد رويوران أن تتجاهل الحكومة الإيرانية الرد على استهداف قنصليتها في دمشق، ورأى أنه سيكون متناسبًا وبشكل مباشر من إيران على إسرائيل.
وتابع أن طهران تلتزم "بالصبر الإستراتيجي"، لأن الوقت لصالها، وهي تمارس حربًا نفسية، وفي الوقت ذاته تريد الانتقام والرد على الاعتداء الإسرائيلي على قنصليتها في دمشق.
وأشار إلى أن هناك وسائل إعلام غربية تدعم إسرائيل، وتحاول أن تخلق حربًا نفسية من خلال التهويل على طهران، أو نشر أخبار كاذبة.
وخلص رويوران إلى أن "إيران سترد بصبر، وستجعل إسرائيل تدفع الضريبة مرتين في الرد، وفي الاستنفار القائم بانتظار الرد".