أعادت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا القمح والحبوب الأخرى إلى قلب الجغرافيا السياسية. فالبلدان يلعبان دورًا رئيسيًا في السوق الزراعية العالمية، لا سيما في إنتاج وتصدير القمح والحبوب.
ودفع إعلان بوتين بدء العملية العسكرية بأسعار القمح للارتفاع بنسبة 16%، وسط مخاوف من قطع سلاسل التوريد وتأثر البنية التحتية الزراعية في أوكرانيا في حال طال أمد العملية، ما قد يهدد الأمن الغذائي لعدد من الدول، ومن بينها دول عربية، ويجعلها تدفع ثمن الصراع الروسي الأوكراني من لقمة عيش مواطنيها.
منتجان ومصدّران أساسيان
تنتج روسيا نحو 10% من القمح العالمي بينما تنتج أوكرانيا 4%. ويوازي مجموع انتاج البلدين تقريبًا حجم إجمالي إنتاج القمح في الاتحاد الأوروبي. كما تمثل صادرات البلدين معًا ربع صادرات القمح العالمية، حيث بلغت عام 2020، 18% من روسيا و8% من أوكرانيا.
وينتج البلدان 4% من الانتاج العالمي للذرة، لكن مساهمتهما أكثر أهمية في الصادرات، حيث تمثل 14% من صادرات الذرة العالمية بحسب بيانات عام 2020.
كما أن البلدين من بين المنتجين والمصدرين الرئيسيين لزيت عباد الشمس. وعام 2020، شكلت صادرات زيت عباد الشمس الأوكراني 40% من الصادرات العالمية، فيما استحوذت روسيا على 18% من منها.
تأثير العملية العسكرية المباشر
ويقع جزء كبير من الأراضي الزراعية الأكثر إنتاجية في أوكرانيا في مناطقها الشرقية، الواقعة إلى الغرب مما يُعرف بـ"جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك" الانفصاليتين، اللتين أعلنتا استقلالًا من طرف واحد.
ومن المتوقع أن يؤدي الاستيلاء على الأراضي الأوكرانية إلى تراجعات حادة في إنتاج القمح، وكذلك تدمير البنية التحتية الزراعية، وبالتالي الهبوط الحاد في صادرات القمح.
كذلك، ستعيق العقوبات على روسيا سلاسل التوريد منها، ولا سيما إذا ما استبعدت من نظام "سويفت" للتحويل المالي.
واقع الدول العربية المستوردة للقمح
تعتمد نحو 14 دولة على الواردات الأوكرانية والروسية في أكثر من 10% من استهلاكها من القمح، ما يضعها أمام أزمة انعدام أمن غذائي محتملة.
ويشكل هذا الواقع مصدر قلق للقارة الإفريقية خصوصا، وهي مستورد صاف للقمح وزيت عباد الشمس. وتعد مصدرًا مستوردًا رئيسيًا، حيث استحوذت على ما يقرب من نصف صادرات روسيا وأوكرانيا من المنتجات الزراعية إلى القارة الإفريقية عام 2020. وبلغت قيمة هذه الصادرات 4 مليارات دولار أميركي، شكّل القمح حوالي 90% منها وزيت عباد الشمس 6%.
كما تعتبر مصر التي شرعت سلطاتها في إلغاء الدعم عن الخبز، أكبر مستهلك للقمح الأوكراني، حيث استوردت أكثر من 3 ملايين طن متري عام 2020، أي حوالي 14% من إجمالي القمح الأوكراني المصدّر.
وبشكل عام، تمثّل مصر الدولة الأفريقية الأكثر استيرادا للمنتجات الزراعية من روسيا وأوكرانيا، يليها السودان، ومن ثم نيجيريا وتنزانيا والجزائر وكينيا وجنوب إفريقيا.
كما يستورد اليمن وليبيا 22% و43% على التوالي من إجمالي استهلاكهما من القمح من أوكرانيا.
كذلك يعتمد لبنان بشكل كبير على القمح الأوكراني. وجاء حوالي نصف القمح المستهلك في لبنان عام 2020 من أوكرانيا، وفقًا لبيانات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو). ويعتمد لبنان على الخبز ومنتجات الحبوب الأخرى في 35% من السعرات الحرارية التي يحصل عليها السكان.
وحذرت الغرفة الدولية للتجارة البحرية، أمس الخميس، من تأثر شبكات الإمداد "في حال عرقلة حرية حركة تنقل البحارة الأوكرانيين والروس". والشحن البحري مسؤول عن نقل ما يقارب 90% من التجارة العالمية.
ارتفاع الأسعار
وفور دخول أولى القوات الروسية الأراضي الأوكرانية، بدأت الآثار تظهر على المؤشرات الاقتصادية العالمية، إذ تخطّت أسعار النفط عتبة الـ100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ سنوات، وهو ما سيحمّل الدول المستوردة للخام الأسود عبئًا كبيرًا ويرفع أسعار المنتجات الاستهلاكية، لا سيما مع الارتفاع المتوقع في كلفة الانتاج والنقل.
وفيما ارتفعت أسعار القمح بنسبة 16% مع بدء الهجوم الروسي، الخميس، سجلت أسعار فول الصويا أعلى مستوى منذ 2012، مع تزايد القلق من تأثر الإمدادات العالمية.
وقد ينعكس استمرار التصعيد زيادات كبيرة في أسعار الحبوب والبذور الزيتية العالمية، ولا سيما مع ضعف المحاصيل في أميركا الجنوبية وإندونيسيا وتنامي الطلب الآسيوي.
وكانت أسعار السلع الزراعية العالمية، تأخذ نمطًا تصاعديًا. ففي يناير/ كانون الثاني الماضي، بلغ متوسط مؤشر الفاو لأسعار الغذاء 136 نقطة، بارتفاع 1% عن ديسمبر/ كانون الأول 2021، وهو أعلى مستوى له منذ أبريل/ نيسان 2011.