أعلن المرصد الأوروبي للمناخ الخميس أن الشهر الماضي كان أكثر أشهر فبراير/ شباط دفئًا على مستوى العالم على الإطلاق والشهر التاسع على التوالي لدرجات حرارة قياسية في أنحاء الكرة الأرضية في وقت يأخذ التغير المناخي العالم إلى "منطقة مجهولة".
وضربت الأرض العام الماضي عواصف وحرائق وموجات جفاف، فيما ساهم تغيّر المناخ الذي فاقمته ظاهرة "النينيو"، في ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، ما جعل عام 2003 الأكثر حرًا منذ مئة ألف عام.
ارتفاع الحرارة بمقدار 1.77 درجة مئوية
وقال البرنامج الأوروبي لرصد الأرض "كوبرنيكوس" الشهر الماضي، إن الفترة الممتدة من فبراير/ شباط 2023 إلى يناير/ كانون الثاني 2024 شهدت ارتفاعًا في الحرارة بمقدار 1,52 درجة مئوية مقارنة بالحقبة ما قبل الثورة الصناعية، لـ12 شهرًا متتاليًا.
وأكد البرنامج في تحديثاته الشهرية الأخيرة تواصل هذا المنحى حيث كانت الحرارة في فبراير أعلى بمقدار 1,77 درجة مئوية من التقديرات الشهرية للفترة 1850-1900، وهي الفترة المرجعية قبل الثورة الصناعية.
وارتفعت درجات الحرارة في أجزاء من العالم من سيبيريا إلى أميركا الجنوبية، فيما سجلت أوروبا بدورها الشتاء الأكثر دفئًا على الإطلاق.
ارتفاع "استثنائي" بدرجات الحرارة
وفي النصف الأول من الشهر كانت درجات الحرارة العالمية اليومية "مرتفعة بشكل استثنائي" بحسب كوبرنيكوس، في وقت سجلت أربعة أيام متتالية معدلات حرارة أعلى بدرجتين مئويتين مقارنة بالفترة قبل الثورة الصناعية، بعد أشهر قليلة على تسجيل أول يوم منفرد فوق هذا الحد.
وأشار مدير "سي-3 إس" كارلو بونتيمو إلى أن تلك كانت أطول فترة يتخطى فيها الارتفاع درجتين مئويتين، مضيفًا أن الحرارة كانت "ملفتة للانتباه". لكنها لم تمثل تجاوزًا لعتبة 1,5 درجة مئوية التي حددت في اتفاق باريس للمناخ عام 2015 لأنها لم تستمر لعقود.
وتعود معطيات "كوبرنيكوس" المباشرة من كافة أنحاء الأرض إلى الأربعينات، لكن بونتيمبو قال إنه مع الأخذ في الاعتبار ما يعرفه العلماء عن درجات الحرارة القياسية "لم تضطر حضارتنا أبدًا إلى التعامل مع هذا المناخ".
وأوضح لوكالة فرانس برس، "بهذا المعنى أعتقد أن تعريف منطقة مجهولة مناسب"، مضيفًا أن الاحتباس الحراري يشكل تحديًا غير مسبوق "لمدننا وثقافتنا وأنظمة النقل والطاقة لدينا".
حرارة المحيطات
وكانت درجات حرارة سطح البحر الأعلى في أي شهر على الإطلاق، بحسب "كوبرنيكوس"، إذ تجاوزت درجات الحرارة الشديدة السابقة المسجلة في أغسطس/ آب 2023 مع ارتفاع جديد يزيد بقليل عن 21 درجة مئوية في نهاية الشهر.
وتغطي المحيطات 70% من الكوكب وتساهم في إبقاء سطح الأرض صالحًا للعيش من خلال امتصاص 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن التلوث الكربوني الناجم عن النشاط البشري منذ فجر العصر الصناعي.
طقس غير منتظم
وتعني محيطات أدفأ مزيدًا من الرطوبة في الغلاف الجوي، ما يؤدي إلى طقس غير منتظم على نحو متزايد، مثل الرياح العاتية والأمطار الغزيرة.
وقال بونتيمبو إن ظاهرة النينيو التي ترفع درجة حرارة سطح البحر في جنوب المحيط الهادئ ما يؤدي إلى طقس أكثر حرًا على مستوى العالم، يُتوقع أن تضعف مع بدء الصيف.
وأضاف أن الانتقال إلى ظاهرة لا نينيا التي تؤدي إلى انخفاض في درجات الحرارة، قد تحصل بشكل أسرع من المتوقع، ما قد يقلل من احتمالات أن تكون 2024 بدورها سنة غير مسبوقة على صعيد تسجيل أرقام قياسية.
دور الوقود الأحفوري
وبينما لعبت ظاهرة "النينيو" وعوامل أخرى دورًا في الحرارة غير المسبوقة، شدد العلماء على أن انبعاثات غازات الدفيئة التي يواصل البشر ضخها في الجو، هي المسبب الرئيسي لارتفاع معدلات الحرارة.
وقد حذّرت لجنة المناخ التابعة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة من أن العالم قد يتجاوز ارتفاعًا لدرجة الحرارة بمعدل 1,5 درجة مئوية في أوائل ثلاثينيات القرن الحالي.
وتستمر الانبعاثات المسببة لتسخين الكوكب، والناجمة بشكل رئيسي عن حرق الوقود الأحفوري، في الارتفاع في وقت يقول العلماء إنها يتعين أن تنخفض بمقدار النصف تقريبًا خلال هذا العقد.
واتفقت الدول المشاركة في مفاوضات الأمم المتحدة بشأن المناخ في دبي العام الماضي على رفع القدرة العالمية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات هذا العقد و"الابتعاد" عن الوقود الأحفوري.
لكن الاتفاق يفتقر إلى تفاصيل مهمة، إذ تتعرض الحكومات الآن لضغوط لتعزيز التزاماتها المناخية على المدى القصير ولما بعد عام 2030.