الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

صناعة "الكاليس".. مخاوف من اندثار حرفة من الزمن الجميل

صناعة "الكاليس".. مخاوف من اندثار حرفة من الزمن الجميل

شارك القصة

يحافظ التونسي محمد الشرفي على حرفة صناعة أجداده
يحافظ التونسي محمد الشرفي على حرفة صناعة أجداده (الأناضول)
تعاني حرفة "الكاليس" من مشكلة انخفاض عدد المقبلين على شرائها، مقابل ارتفاع كلفتها وأسعار المواد الأولية المكونة لها.

ما زال التونسي محمد الشرفي، أو "ملك صناعة الكاليس" كما يطلق عليه أهالي صفاقس، محافظًا على حرفة صناعة الأجداد، رغم صعوبة صناعة "الكاليس" (العربة المجرورة بالخيول) وقساوة ظروف هذا العمل.

في ورشته الصغيرة التقليدية التي تقع على أطراف مدينة صفاقس جنوبي تونس، استطاع الرجل الخمسيني بتفانٍ تطويع الحديد وصهره بالنار وتقطيع ألواح، للحصول على عربات وبيعها لزبائن يستخدمونها إما لنقل البضائع والأشخاص والمنتجات الفلاحية أو وسيلة نقل تروق السياح.

ويعد الشرفي من الحرفيين القلائل الذين ما زالوا يمارسون هذه المهنة التي تكاد تُنسى، بعد أن توفي أغلب العاملين فيها، حيث كانت محافظة صفاقس تعج بالعشرات من محترفي صناعة هذا الصنف من العربات.

أمّا عن أصل كلمة "كاليس" فيعود إلى اللغة الإسبانية "كاليزا". وقد دخل "الكاليس" مع الأندلس للبلاد التونسية (سنة 1906)، وراج بكثرة في صفاقس صناعة واستعمالاً باعتباره وسيلة النقل الوحيدة آنذاك.

وتختلف مسميات وأشكال المجرورات حسب المهمة التي صنعت لأجلها، فمنها ما يسميه التونسيون بلهجتهم العامية "الكريطة الكبيرة"، التي تستعمل لنقل البضائع الثقيلة، ومنها "الكاليس" الذي غالبًا ما نجده حاضرًا في أغلب المنازل كوسيلة أساسية للنقل، وكذلك "الجرادن" وهي بمثابة مجرورة تحمل أسطوانة صغرى تستعمل لجلب المياه.

"مراحل التصنيع"

احتفظ الشرفي، بطرق النقل التقليدي التي كانت متداولة في محافظة صفاقس خلال خمسينيات القرن الماضي، فاقتبس المشاهد والروايات وحافظ على صناعة الأجداد للمجرورات بالخيول، رغم تقلص نسبة مستعمليها.

في حديثه مع "الأناضول"، أكّد الشرفي أنّ مراحل تصنيع المجرورات تتطلب تفاعل مختلف الحرف في ما بينها كالنجارة، والحدادة، كما تتطلب خبرة ودراية هامة حتى تستقيم مراحلها، والتي تأخذ من الحرفيين حيزًا كبيرًا من الوقت والجهد، حيث تتطلب صناعتها من أسبوع إلى أسبوعين.

ومن أهم هذه المراحل، تقطيع الخشب بعد أن يتم قياسه ومن ثم ثقبه بطريقة دقيقة حتى يتوافق مع طول وهيكل المجرورة المقترح إنجازها، وفقا للحرفي.

ولفت إلى أنه بعد ذلك تأتي مرحلة تحضير الحديد يدويًا، وهي أن يقوم الحرفي بتدويره والتحكم في أشكاله واتجاهاته بواسطة التسخين بالنار تحت درجة عالية، سرعان ما تغير لونه إلى الأحمر القاتم، ثم وضعه بين المطرقة والسندان للتحكم في أشكاله ومقاساته ورسم زواياه.

تأتي إثرها مرحلة التركيب، وهي أن يثبت الخشب بالحديد من خلال الجمع بين الثقوب الموجودة في كليهما بواسطة المسامير والبراغي الحديدية السميكة، ثم وضع الكرسي وتثبيته جيدا على الحديد.

إضافة إلى تثبيت العجلات المطاطية بالنسبة للمجرورة التي تحمل البضائع الثقيلة كالمسماة "الكريطة الكبرى والجردينة"، أما العجلات الحديدية فهي مخصصة "للكاليس" لكونه لا يحمل سوى الركاب والأشياء الخفيفة.

ينتقل الحرفي إلى مرحلة الطلاء، وهي أن تزخرف المجرورة بالألوان من أجل المحافظة على سلامتها وجمالها حتى تضفي رونقًا وطابعًا مميزًا.

"اندثار"

يتراوح سعر المجرورة بين 2 و15 ألف دينار تونسي (بين 730 دولارًا و5.5 آلاف دولار)، ويتغير السعر حسب حجمها ومميزاتها واستعمالاتها.

وعبّر الشرفي عن تخوفه من اختفاء هذه الحرفة، لا سيما مع عدم إقبال الشباب على توارثها، وهذا ما دفعه إلى تعليم ابنه - خريج المعهد العالي للرياضة- أصول الحرفة وحثه على عدم تركها، للحفاظ على استمرار حرفة الأجداد.

وتعاني حرفة "الكاليس" من مشكلة انخفاض عدد المقبلين على شرائها، مقابل ارتفاع كلفتها وأسعار المواد الأولية المكونة لها.

كما أنّ السلطات المعنية، لا تبدي أي نوع من الإحاطة بمثل هؤلاء الحرفيين، لذلك عزف عنها الشباب مما يعني أنها في مسار الاندثار، وفق الشرفي.

تابع القراءة
المصادر:
الأناضول